بلديات القرى والمقاول المشاغب

* لعل أهم المشاكل التي تعاني منها النظم والإجراءات واللوائح هي تفسير النظام وعدم مرونته واستغلال هواة المخالفات لثغراته بما لا يخدم الصالح العام.

أحد الأمثلة ترسية المشاريع الذي يذهب غالبا للعطاء الأرخص، هذا النظام مقبول من حيث المبدأ نظراً لدور المناقصات في خفض التكلفة ومنع الاستغلال، لكنه يحتاج إلى مزيد من التدعيم باجراءات صارمة بعد الترسية وأثناء التنفيذ تتركز على تقييم أداء المقاول وأمانته والتزامه بالمواصفات. وان يترك هذا الأمر للجهة المستفيدة التي تتابع التنفيذ، وهو أمر بديهي قد يكون مطبقاً نظرياً أو مذكوراً في ثنايا النظام لكن ما نحن بصدده هو الأخذ بتقييم الجهة المستفيدة وملاحظاتها وشكواها من المقاول وادخال هذا التقييم ضمن سجل المقاول الذي يحدد دخوله في مناقصة أخرى من عدمه.

بعض المقاولين أدمن تقديم أرخص العروض والفوز بالعطاء ومن ثم الغش والتلاعب في بعض المواد أو طريقة التنفيذ بوسائل يحتاج اكتشافها إلى جهد رقابي كبير وعيون ثاقبة متخصصة قد لا تتوفر في كل بلديات القرى مثلا.

وإذ ما تم ضبط هذه التلاعبات أو جزء منها بفضل حماس وحرص مهندس وطني أو رئيس بلدية متفان في أداء عمله، فإن في وسع المقاول إرهاق جهاز البلدية ومراقبيه بأشكال أخرى من الغش والمماطلة. لأنه يعرف جيداً ان شهادة التقييم ستصدر بعد إنهائه للمشروع وتقتصر على وفائه بالبنود الأساسية، اما محاولاته ومماطلته وتسويفه وارهاقه للجهاز الرقابي فلا يمكن ان تكون ذات تأثير طالما ان شكوى المستفيد وملاحظاته على المقاول لا تلعب دورا في أمر دخوله في مناقصة أخرى!!.

يشتكي عدد من رؤساء البلديات من أنهم يعانون الأمرين من تلاعب بعض المقاولين وممارستهم لكافة اشكال الحيل التي تحتاج إلى جهود مضنية لكشفها ومنع تكرارها خاصة في اعمال دفن الحفريات وتمديدات المياه والكهرباء والهاتف وطبقات السفلتة وخلافها.

وانهم يضعون أيديهم على قلوبهم عند اعلان الترسية لمشروع جديد خوفا من ترسيته على مقاول معروف بمشاغباته ومشاكله.

هذا القلق من رؤساء البلديات ومراقبيها يؤكد ان النظام اغفل عنصرا هاما هو سمعة المقاول عند استقبال العروض، صحيح ان النظام يتحدث عن عقوبات الغش والتأخير ويتحدث عن تصنيف المقاولين للمشاريع التي تفوق تكلفتها عشرة ملايين، لكن الواضح ان تقييم الجهة المستفيدة خاصة في المشاريع البلدية الصغيرة لا يعتد به ولا يلعب دورا في حرمان المقاول المتلاعب من دخول مناقصات لمشاريع في نفس البلدية أو المدينة أو القرية.

يقول أحد رؤساء البلديات ننتظر إعلان الترسية بنفس قلق طلاب المرحلة الثانوية عند انتظار نتائج الامتحانات، نخشى ان يفوز بالعطاء مقاول لنا معه تجارب مريرة في ممارسة شتى انواع الحيل والغش فإذا فاز واحد من هذا النوع نعلن حالة الاستنفار ونلغي اجازات المهندسين والمراقبين ونعيش في حالة من الشد النفسي إلى ان ينتهي المشروع.

من هذا يتضح ان رؤساء البلديات لا حول لهم ولا قوة حتى امام مقاول مشاغب فالنظام يعطيه الحق في دخول المناقصة والفوز بها إذ كان عرضه الأفضل دون النظر إلى سجله في تنفيذ مشروع أو عدة مشاريع سابقة، وهذه احدى الثغرات التي يجب سدها كما اقترح على الجهات الحكومية ان تستفيد من تجربة القطاع الخاص في أمور الترسية فالقيمة المالية لا يمثلها انخفاض التكلفة الاجمالية. ان الوقت نقود، والجودة نقود، وتقليل اشغال الجهات الرقابية ينعكس في شكل وفر مالي ورغم كل هذه الفوارق المالية الكبيرة بين التعامل مع مقاول حسن السمعة وآخر مزعج فإن الأخير ربما فاز بالعطاء لأن عرضه ينقص بمقدار حفنة من الريالات.

اترك رد