أخذت عهداً على نفسي عند كتابة هذه الزاوية أن أخلع غترة الصيدلة التي أحبها “ولا أقول قبعة لأننا نفخر بالغترة ولا نلبس القبعة”، أخلع غترة الصيدلة حتى لا أستغل هذه المساحة في الانحياز لمهنتي التي أعشقها حتى النخاع.
وعندما أكتب عن ضرورة أن تقتصر ملكية الصيدلية على الصيدلي، فليس ذلك خروجاً على العهد لأن هدف هذه الدعوة هو المريض بالدرجة الأولى.
إن الصيدلة كمهنة هي خط الحماية الأحمر والأخير للحيلولة دون استغلال شغف المريض بالشفاء العاجل وتعريضه لخطر مركبات كيميائية قد تنقلب إلى سموم فتاكة إذا لم يقنن تداولها، وتقنين هذا التداول لا يمكن أن يدركه تاجر لم يدرس هذه المهنة ويسبر غور هذه المركبات ويفرق بين تعاطيها لحاجة أو الافراط في تعاطيها بسبب استغلال تجاري.
ليس شرطاً أن نفترض سوء النية أو استعجال الربح وسلوك الغش في التاجر أو المالك من غير الصيادلة لكي نطالب باقتصار الملكية على الصيدلي ولكن دعونا نعتبر الجهل بالبضاعة هو سبب اساءة صرفها.
صحيح أن المالك ليس هو من يصرف الدواء، لكنه هو من يملك السلطة النافذة على مكفوله الصيدلي المتعاقد.
وهنا، شئنا أم أبينا، لابد أن نعترف أن لنا وضعاً خاصاً يتمثل في ضعف المكفول إى حد استجابته لرغبة الكفيل في الكسب، بل ربما إلى درجة عدم القدرة على توضيح الخطر من واقع حس مهني، ولذلك فإن مالك الصيدلية لابد أن يكون ممن درسها جيداً، وغرست فيه اخلاقياتها وأدرك خطورتها وعرف كيف ينجح في تجارتها دون التنازل عن مبادئها.
إذا كان هذا المطلب “ملكية الصيدلية للصيدلي فقط” بناء على ما سبق ذكره اصبح ضرورة على افتراض حسن نية المالك غير الصيدلي وأن ممارساته الخاطئة قد تحدث لجهله بخطورة بضاعته فكيف هو الحال اذا وجد من لا يحسن النية ولا يعنيه غير نجاح تجارته دون مجرد التفكير فيما سيحدث للمشتري؟! ولنا عبرة بما حدث من بيع مواد غذائية منتهية الصلاحية مع سبق الإصرار والترصد.
ماذا ستقول لمالك أرغم مكفوله الصيدلي على صرف كميات كبيرة من أدوية تسبب تلفاً للكبد أو الكلى أو الإضرار بالصحة عموماً إذا احتج بأنه كان يجهل خطورتها، ستقول: إن القانون لا يحمي المغفلين.. وسنقول لك: لماذا تجعل صحة المريض الشغوف بالشفاء عرضة لرغبات مغفل؟!
أما أولئك المشغوفون بتقليد أمريكا ممن يحتجون بأن سلسلة الصيدليات في الولايات المتحدة الأمريكية تتبع لشركات فإن حجتهم مردودة عليهم.. ففي أمريكا لا يستطيع كائن من كان أن يتدخل في عمل الصيدلي!!، ولو حدث ذلك فإنه سيحاكم وسيدفع من التعويضات ما يفوق رأس ماله!! وفي أمريكا رقابة صارمة على الوصفة رقابة ذاتية وأخرى من الجهات الرقابية، ولعل غرفة الملفات في صيدلية أمريكية تعادل حجم الصيدلية لدينا مرتين.
ولذا فإننا لا نستطيع أن نقتبس جزئية صغيرة من القوانين والاجراءات ونحن لا نطبق متطلباتها الأساسية.
أما الدول الأخرى فإن ملكية الصيدلية فيها لا يمكن أن تتبع لغير الصيدلي بسبب التجارب المريرة التي عاشوها ويجب ألا نستمر في المعاناة منها.
وأخيراً فإنه ليس أدل على أهمية موضوع الملكية هذا من اهتمام معالي وزير الصحة به شخصياً وحرصه ومطالبته دوماً بأن تقتصر ملكية الصيدلية على الصيدلي وهو طبيب يعيش الهم الصحي للمواطن ومعاناته اليومية، وعلى الجهات التي تدرس هذا الطلب ألا تعتمد على آراء لأفراد أو حتى جماعات تحركهم المصالح الشخصية أو الأفكار السطحية ممن لم تطأ أقدامهم نار الواقع الحالي المؤلم.
كما أن أي دراسة لوضع صيدلاني لا تستنير برأي كلية الصيدلة “أم المهنة” تعتبر قاصرة.
هل يمكن لغير المحاسب أن يفتتح مكتب محاسبة، أو لغير المحامي أن يفتتح مكتب محاماة ولغير الطبيب أن يفتتح عيادة ولغير المهندس ان يفتتح مكتب استشارة هندسية؟! الصيدلي مهني مثله مثل هؤلاء لكن مهنته أخطر وأكثر ثغرات للاستغلال فلماذا يسمح لغيره بأن يشتغل بها؟!