المعلومة غير جديدة، لكنها متجاهلة منذ زمن طويل، وهي أن سن الأنظمة والإجراءات الدقيقة والشاملة والمرنة والإعلان عنها وتطبيقها في كل مجالات الحياة يلغي تماماً الحاجة إلى وسيط أو شفيع أو خطاب توصية.
فإذا كانت الإجراءات معروفة ومرنة والمتطلبات واضحة ومعلنة ولا تشترط وجود خل وفي، ولن تشترط عندما تكون معلنة فإن صاحب الحاجة يكاد يرى معاملته عبر زجاج شفاف تسير في الطريق الصحيح طالما أنه أكمل الاحتياجات النظامية.
لماذا نستشهد بالدول الغربية حيث معظم الإجراءات تتم عن طريق البريد ودون واسطة أو استثناء أو منّة؟! إن لدينا مثالاً إدارة الجوازات التي تحولت بين عشية وضحاها من اسوأ أمثلة البروقراطية والازدحام والتدافع وبطء الإجراءات وضياع المستندات وأكبر سوق لتجارة “التعقيب” وأوسع قناة لكسب المعروف وممارسة المنّة إلى أكثر الأنظمة الإدارية وضوحاً في المتطلبات وسلاسة وسهولة وهدوء في الاجراءات “ما عليك إلا تعبئة الاستمارة ودفع الرسوم وتستلم غداً”.
ترى لو طبقت تجربة إدارة الجوازات على جميع الإجراءات الحكومية فما الذي سيضيرنا؟!
أقصد وضوح الشروط والمتطلبات واختصار الإجراءات وتقليل الورق والمرفقات وشفافية مسار المعاملة أو الطلب فمن الذي سيكسب ومن هو الخسران؟!
سيكسب المراجع توفير الوقت والجهد وتلافي سفك ماء الوجه، وسيكسب الوطن مزيداً من الهدوء والشعور بالإنصاف وارتفاع معدل العطاء لأن موظفاً غير مشغول بمراجعات واتصالات وبحث عن واسطة هو موظف أكثر إنتاجية.
أما من سيخسر فهو كل كسبان من تلك التعقيدات والمعوقات سواءً في شكل رشوة أو منّة أو كسب علاقات شخصية إلى جانب من يعيشون على تبعات تلك البيروقراطية والفوضى ومن أمثلتهم المعقبون.
ثمة إجراءات حكومية كثيرة جداً لاتزال ترضخ تحت بطء التنفيذ بل توقف المسار إلا إذا وجد من يدفعه، رغم أن الدولة عندما أوجدت هذه الخدمات أو تلك المنح أو الميزات أو العطاءات كانت تهدف إلى استفادة المواطن منها بأسرع وقت ممكن وأيسر سبيل.
وأعتقد أن استمرار تعقيد وبطء وقفل مسار بعض الإجراءات ربما يكون مقصوداً أو مقبولاً بارتياح من فئة يسعدها بقاء ثغرة لكسب المعروف والمنّة على المواطن، وفئة أخرى يهمها بقاء هذه الثغرة لتحقيق مكاسب مادية من تعقيب، وسعي وخلافه.
أعتقد أنه آن الأوان لينعم المواطن بما يقدمه له وطنه من مميزات وخدمات ومنح ومخصصات دون منّة من وسيط أو شفيع.
لابد من توضيح وإضفاء مرونة على مسارات عدة منها أحقية العلاج في المراكز المتقدمة والحق في الحصول على مخصصات الرعاية الاجتماعية والحصول على منح الأراضي والعادات السنوية لمستحقيها وأن تكون هذه المسارات من الشفافية والوضوح والسهولة بحيث تحفظ ماء وجه المستفيد وتقفل ثغرات المنّة والانتفاع.