ندفع ونعاني

أن يدفع المواطن مقابل خدمات يفترض أنها مجانية أسوة ببلاد أقل منا إمكانيات أمر مقبول على مضض، وكلنا أمل أن ينفرج بنظرة واقعية وبتعامل مماثل لما هو عليه في تلك البلدان. واقصد هنا خدمة مثل الإنترنت التي تقدم دون رسوم في اندونيسيا ومصر ودول اخرى بينما ندفع مقابلها فواتير عالية إضافة إلى فواتير شركة الاتصالات والمكالمات الهاتفية.

ومع أننا ندفع إلا أننا نعاني من ضعف استعداد مقدمي الخدمة وانقطاعها المتكرر دون تعويض أو مجرد عذر فمصير المستفيد رهن مزاج مقدم الخدمة، وما يتعرض له المشترك من انقطاع وما يترتب عليه من أضرار غير قابلة للتعويض أو حتى النقاش.

الأدهى والأمر ان المواطن في تعامله اليومي مع الخدمات المدفوعة مثل الإنترنت والاتصالات والكهرباء والاشتراكات في الفضائيات بل حتى في تعامله مع البنوك بالرغم من انه يحلب حلبا، وهو أكثر من يدفع مقارنة بغيره فانه لا يحصل إلا على الحد الادنى من الخدمات ولا يحضى باحترام مشاعره أو وقته ومواعيده، ويتم التعامل معه على انه اليد السفلى، فقد يتم تقليص المميزات أو إيقاف بعض الخدمات دون الرجوع إليه كصاحب حق!! خذ مثالا على ذلك إلغاء البنوك لتسديد الفواتير عن طريق البنك بصورة مفاجئة وما سببه ذلك من عناء المشترك المسكين وتكبده ضياع الجهد والوقت وحرق الأعصاب لكي يدفع فواتير عالية!! تصور.. إرهاق وجهد مع انك ذاهب لتدفع لا لتأخذ!!.

منذ عشرات السنين كنا نرى طوابير المنتظرين منذ ساعات الفجر حتى اذان الظهر أمام مداخل صندوق التنمية العقارية ومكاتب تسليم العادات السنوية والمنح ومكاتب شراء الأسمنت وأبواب أقسام الضمان الاجتماعي وكان ذلك المنظر في حينه مقبولا لانها بداية الطفرة وانطلاقة التنمية، وتلك كانت مكاتب منح وإعطاء تسهيلات حكومية ومع ذلك كنا نتمنى أن تكون منظمة بما يريح المستفيد ويحفظ وقته وكرامته وقد حدث هذا التنظيم والراحة في بعض المجالات المذكورة والبقية في طريقها إلى التنظيم الذي يحفظ ماء الوجه بإذن الله.

على النقيض فإن الخدمات المدفوعة والتي تقدمها شركات تربح من مص جيوب المشترك تشهد تراجعا كبيرا في موضوع احترام وقت ومشاعر المشترك ومراعاة حقوقه، والمشكلة الأكبر انه لا توجد قنوات لمقاضاة وشكوى مثل هذه الشركات الخدمية مما جعلها تمارس اشد أنواع الاستهانة بحقوق ووقت وكرامة المشترك في ظل غياب المحاسبة.

يكفي أن تمر هذه الايام في احد شوارع السليمانية المشهور بشارع الفضائيات لترى مثالا واضحا ونموذجيا لكل ما ذكر اعلاه من استهانة بالحقوق واهانة للإنسان الذي دفع ماله ليحصل على خدمة، وإحدى أسوا النتائج المتوقعة لغياب قنوات الشكوى واستعادة الحقوق.

جموع من البشر، استجابوا للدعاية والإعلان المكثف للاشتراك في القناة التي ستنقل لهم كأس العالم ودفعوا ووقعوا عقودا على امل مشاهدة المونديال، وفوجئوا بأن البطاقات لا تعمل، فبدأت أشرس أنواع المواجهات بين جمهور متعطش لمتابعة مباريات الكرة أثناء فراغ العطلة وعدد من العمالة التابعين لمقدم الخدمة الذين لا حيل لهم ولا صلاحيات ولا قدرة على امتصاص الغضب.

منظر غير حضاري يشتمل على صراخ وشتم، ومشاجرات، ثم تطور ليلا إلى تكسير احد المحلات مما يعكس شعورا بالإحباط ولده عدم وجود سبيل آخر لاسترداد الحق، أو جهة تنصف في هذا الصدد.

لماذا علينا أن نتكبد العناء والبحث والملاحقة لخدمات ندفع مقابلها مبالغ عالية، في وقت أصبح الإنترنت هو وسيلة تقديم الطلبات والهاتف المجاني وسيلة المتابعة؟!.

السبب في نظري هو ان الشركات التي تقدم الخدمة ومثالها هنا محطة فءُّ لا تجد داعيا لإجراء الدراسات ومعرفة الاعداد المتوقعة للمشتركين لخدمتهم بالطريقة المستحقة وفي نفس الوقت لا تخاطر بعمل حساب لعدد أكبر من المتوقع وإنما تجازف بالورقة الضعيفة وهو المشترك الذي لا يتمتع بأي حماية فلا توفر سوى أقل من العدد المتوقع وتجعل التوسع مشروطا بضمان المشترك واستلام أمواله ثم تركه ينتظر ويتكبد عناء المراجعات وتمارس بحقه المماطلة والتسويف وبدلا من أن يشاهد ركل الكرة فإن الأقدام تتشاوته يمنة ويسرة. كل هذا يحدث الآن من أمن العقوبة أساء الأدب.

اترك رد