لا يوجد أدنى شك بأن الإعلام لدينا هو القناة الأولى التي تؤهل للمنصب وتفتح الأبواب أمام الفرص الذهبية، أو قل الإعلام هو أهم القنوات السريعة للوصول إلى مواقع المسؤولية عندما يتوافر الحد الأدنى من التأهيل العلمي، ويأتي بعد الإعلام عوامل أخرى كالعلاقات الشخصية والخاصة وفصاحة اللسان والشخصية “الذربة”!!
لا تحتاج إلى كثير لتدرك ذلك. ولذلك فإن الكثيرين ادركوا هذه الحقيقة فوجدوا أن أسرع السبل هو الإعلان عن الذات.
أصحاب المبادئ والأفكار المثالية يراوحون مكانهم لأنهم كما ذكرت سابقاً كالدر المكنون يحتاج إلى من يكتشفه ويرفض أن يعلن عن نفسه.
أين الخلل؟! الخلل بطبيعة الحال في إعلامنا المرئي والمقروء والمسموع، لأنه وبكل بساطة وطيبة سريع الاقتناع والتصديق لمن يزكي نفسه مدعياً أنه المتخصص الوحيد أو الفلتة في مجال تخصصه أو فيلسوف زمانه، فيفتح أمامه كل النوافد ويصبح هدفاً يبحث عنه كل مراسل صحيفة أو معد برنامج تلفزيوني أو إذاعي حتى يصبح “عكوزاً بكوز على أنتلمركوز”.
لماذا؟! لعدم توافر التخصص في مجال الإعلام وغياب العناصر القادرة على فرز الصالح من الطالح، إلى جانب الكسل الإعلامي الذي يجعل المراسل أو المعد يبحث عن أقرب هدف خصوصاً ذلك الهدف الذي يعلن عن نفسه ويبدي استعداداً للظهور.
هذه وربي ليست مشكلة سطحية وعابرة فقد أصبحت أم المشكلات وأساس المعاناة، لأن الإعلام يبرز، والبارز يرشح، والوظيفة حيوية ومهمة، والنتائجوخيمة تقع على رأس المستفيد من الخدمجة، هذا هو الملخص البسيط أو المبسط لهذه المشكلة والخافي أعظم.
في الدول الأخرى التي تعدت هذه المرحلة وتعلمت الدروس الواحد تلو الآخر تجد أن الشخص لا يصل إلى الإعلام والظهور إلا عبر الناس فعندما يتحدث عنه رجل الشارع أولاً ويصبح حديث الناس يصل إلى الإعلام الذي يحاول جاهدا للحصول على حديث قصير معه فقد يكون هو سبب لشهرة القناة الإعلامية ومصداقيتها وليس العكس ثم إذا قبل بالمنصب وصل اليه بعد أن عبر بنجاح كل تلك الطرق الوعرة والصعوبات فيمارس مسؤولياته وهو يعلم أن امتنانه للناس أولاً فهم من أوصلوه إلى ما وصل إليه.
عندما يحدث العكس فهو يصل للناس عبر الإعلام، فقد كان نكرة وأصبح معرفة، ثم يبقى متعلقاً بالإعلام ولا أقول ممتناً له ولكن شاعراً بكل جوارحه أن بقاءه مرهون برضاء الإعلام فيسعى جاهداً الى مواصلة التغرير بالإعلام ليواصل تصديقه.
إننا مجتمع غني بالكفايات زاهر بالقدرات المعدة اعدادا سليما وبحارنا المتمثلة في الجامعات والمعاهد والوزاراتوالمؤسسات تزخر بالدرر التي تحتاج إلى من يكتشفها لأنها لا تعلن عن نفسها ولا ترى ذلك أسلوباً صحيحاً أو منهجاً تقبله المبادئ وبعضها قد يكون محجوباً، واكتشاف مثل هذه الكفايات يحتاج إلى بحث مضن ومعايير دقيقة وحوارات مفتوحة وفتح العديد من القنوات العلمية المقبولة نفسياً لإبداء المكنون، والله أعلم.