أوردت في زاوية يوم الاثنين الماضي معاناة أب سقط “دولاب” على رأس صغيرته “ثلاث سنوات” وتعرضت لإصابة بالغة وعانى الأمرين من التنقل بها من مستشفى لآخر ونقلها بسيارته أربع مرات وهي مغمى عليها وتلفظ أنفاسها ولم تسعف إلا في المستشفى الرابع.
وكنت قد وعدت بالتعليق على الموقف لاحقاً، وهنا لابد أولاً أن نتفق وعسى أن نتفق على أن جميع المستشفيات والمستوصفات، الخاص منها والحكومي من المفترض أن تكون “سفارات” تمثل الوزارة المسؤولة عن الصحة وتطبق تعليماتها في التعامل مع جميع الحالات والظروف بما في ذلك وضع الكوارث وإعلان حالة الطوارئ العامة لا سمح الله.
أي ان القطاع الخاص الصحي يفترض أن يكون جزءاً من منظومة صحية أهدافها مشتركة وواجباتها متداخلة تصب في الصالح العام مع حفظ حق القطاع الخاص في الاستثمار في جزء الرعاية الصحية، غير حالات الطوارئ!!
دعونا نبدأ بالمستشفى الخاص الذي كان مؤهلاً من حيث الامكانات لإنقاذ حياة الطفلة بتوفيق الله، ولم يفعل، هنا أعتقد جازماً أن معالي وزير الصحة يتحمل المسؤولية في تخاذل المستشفيات الخاصة نحو إسعاف المصابين فقد نشر في الصحف على لسانه تصريحاً مفاده ان قبول الحالات الإسعافية في المستشفيات الخاصة يكون للحالات الحرجة جداً دون وضع تعريف أو مواصفات للحالات الحرجة وضمن أضيق الحدود، وأن يكون ذلك خلال أول أربع وعشرين ساعة من الوضع الحرج، بعده يجب على الأهل نقل المريض إلى مستشفى آخر حال توفر سرير وذلك للحد من تقاعس البعض في نقل أقاربهم “كما ذكر التصريح”.
والمستشفيات الخاصة استقبلت هذا التصريح بالتهليل والتكبير واستفادت من عدم تعريف الحالات الحرجة وأصبحت تتملص من كل الجهات وقد كتبت سابقاً أنني تجولت في أكثر من مستشفى خاص ووجدتهم قد صوروا تصريح معاليه وألصقوه على زجاج غرف الطوارئ وطالبت في حينه بسحب هذا التصريح ومنع المستشفيات الخاصة من اعتبار التصاريح الصحفية “تعاميم رسمية”.
إن من المفترض اعتبار إسعاف المصابين والأمراض الحادة أحد الواجبات لمستشفيات القطاع الخاص شأنها شأن المستشفيات الحكومية، فهي ضريبة الاستثمار في المجال الصحي في دول كثيرة تفرض أنواعاً أخرى من الضرائب ومن باب أولى أن تكون في بلد يقدم كافة أشكال التسهيلات والقروض ويعفى من الضرائب.
وإذا استمرت الحال على ما هي عليه الآن وفق التصريح المذكور ووفق ما يحدث من تملص مسكوت عنه فكيف سنتعامل كوطن مع حالات الكوارث الجماعية لا سمح الله؟!
الجانب الآخر الذي تكشفه القصة وقصص أخرى عديدة هو ضعف الرقابة على التجهيز، فالمستوصف الخاص، لديه سيارة إسعاف ولكن بدون سائق وهذا يدل على أن مجرد وضع هيكل لسيارة إسعاف دون محرك، كاف للمراقبين ان وجدوا!! والمستوصفات أدركت ذلك جيداً فوضعت السيارة للحصول على الترخيص ولم تفعل دورها.
ايضاً حال مستشفى وزارة الصحة ليس بأفضل من حال المستوصف الخاص في هذا الصدد، فسيارة الإسعاف موجودة في مستشفى اليمامة لكنها معطلة أي موجودة شكلاً وغير موجودة في الخدمة مما يدل على أن الوزارة لا تطبق في مستشفياتها مفهوم المراجعة الدورية للجاهزية ووضع خطط طوارئ واختبارها ولو سنوياً بتطبيق حالة طوارئ وهمية فكيف ستكون الحال في المستشفيات والمستوصفات الخاصة التي تشرف عليها الوزارة.
إن المستشفيات والمستوصفات بكافة انتماءاتها سواء كانت خاصة أو تابعة لوزارة الصحة أو أي قطاع آخر هي بمثابة الكف التي يضع عليها ناقل المصاب رأسه لتحمل عنه ما تبقى من معاناة بعد أن نجح في ايصال المريض إليها ويفترض أن تتحمل مسؤولية كافة الاجراءات الإسعافية حتى ضمان استقرار الحالة تماماً دون مقابل مادي ودون تقاعس ويجب أن تكون جاهزة على مدار الساعة لهذا الدور وأن لا تتاح لها فرص التملص أو الاستثمار في هذا العمل أو رفض المصاب بحجة عدم انتمائه للقطاع الذي يتبع له المستشفى.. ويكفي القول ان ثمة معاناة كبيرة في هذا الجانب بسبب عدم الوضوح وترك الأمر دون رقابة إلى درجة ان هذا الأمر أصبح يشكل أكبر همّ لقريب المصاب أو مسعفه في اللحظات الأولى الحرجة حيث يتساءل إلى أين أنقله؟! ومن سيقبل بعلاجه؟!، وهي مسؤولية جسيمة في ذمة المسؤول عنها.