الطب الوقائي ومفهوم الوطنية

لم أكن أنوي التطرق لتعقيب مدير عام الصحة الوقائية الأخ محمد الزهراني المنشور يوم الجمعة 1423/7/21هـ على مقالين كتبتهما عن مريض الإيدز والدرجة المتدنية للوعي بالمرض والتعامل معه وعدم رغبتي في الرد لسببين:

الأول ان التعقيب يفتقد للموضوعية تماماً ويتجاهل صلب الموضوع وهو مطاردة مريض الإيدز والجهل بطرق انتقال المرض إلى درجة المطالبة بحرق أدوات المريض وفراشه مع أنها غير معدية والمقارنة بين نجاح جهود كل من مكافحة المخدرات ومكافحة التدخين في تحقيق نتائج ملموسة في حين يغيب الوعي بانتقال الأمراض ومنها الإيدز بسبب غياب الطب الوقائي فالتعقيب سرد إنشائي لإنجازات وهمية لا تشاهد على أرض الواقع بل يشاهد عكسها تماماً ومن السهل على القارئ العادي كشف هذا الأسلوب ناهيك عن المتخصص!!.

أما السبب الثاني فهو ان التعقيب لا يتسم بالرزانة ويمثل رأي كاتبه فقط وأجزم أنه لم يصدر كالعادة عن إدارة العلاقات والإعلام الصحي تلك الإدارة الواعية والرزينة التي بادر معالي وزير الصحة الأستاذ الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي إلى انشائها وأوكل لها التخاطب مع الإعلام والجمهور بموضوعية وشفافية ووضوح وأدب حوار مستمد من صراحة معاليه ووضوحه المعهود في احاديثه للصحافة والتلفزيون واحترامه للرأي الآخر.

لكنني رأيت ان أفوت الفرصة على الإيماءات المضللة التي يحاول التعقيب التشبث بها عندما لم يجد أرضاً صلبة يقف عليها وأوضح ما يلي باختصار:

أولاً: استخف الأخ الزهراني بذهن وذاكرة القارئ عندما أخفى حقيقة أنني ذكرت عبارة “لماذا نصر كل هذه المدة على الاعتماد في استراتيجية الوقاية على وكالة مساعدة للطب الوقائي أثبت الزمن أنها غير قادرة على القيام بأعبائها الأساسية؟!” وركز بدلاً من ذلك على ورود عبارة “إدارة الطب الوقائي” وفرح بها كثيراً للتدليل على عدم معرفة الكاتب بأسماء وطبيعة ومهام القطاع أما أنا فقد حزنت كثيراً للإستخفاف والمغالطة لكنني ضحكت كثيراً عندما مر في مخيلتي تساؤل طريف، هل لآن الصحف تكتب (إدارة بوش) يعتقد الأخ الزهراني ان بوش هو مدير عام الولايات المتحدة الأمريكية؟! ثم ان الحساس لمسميات القطاع يجدر به ان يكون حساساً للألقاب العلمية فحرف (الدال) لا يسبق اسم من لا يحمل الدكتوراه في الفلسفة!!.

ثانياً: أرفق التعقيب جدولاً يتيماً يتغنى به الطب الوقائي يحتوي على ما أسماه انخفاض نسب حدوث الأمراض الخمسة، الدفتيريا والسعال الديكي وشلل الأطفال والحصبة والنكاف وهذه الأمراض انخفضت في دول لا ينعم الطب الوقائي فيها بربع الإمكانات الموفرة له في المملكة بسخاء، وعلى أي حال، حتى في الجدول “الحجة” تم تجاهل ان الرقم في السعال الديكي والحصبة لم ينخفض بل زاد بين 1417هـ و1421هـ وهو أمر لا يفوت على القارئ العادي ثم اين أرقام أمراض هامة وخطيرة كالحمى المالطية والتهابات الكبد الوبائية والإيدز هل أهملها الطب الوقائي فعلاً أم ان أرقامها لا يحتج بها؟!.

ثالثاً: ليس صحيحاً ادعاءه ان الطب الوقائي يعمل به أو يشرف عليه خبرات سعودية مؤهلة تأهيلاً عالياً، إلا إذا كان يعتقد ان طبيب عام (GP) هو مؤهل عال ولماذا لم يرفق جدولاً بالمؤهلات العالية وهنا أحب ان أؤكد ان في وطننا الغالي اساتذة جامعات وحملة شهادات عليا وزمالة من أمريكا الشمالية وكندا في مجال الامراض المعدية فلماذا لم تتح لهم الفرصة وتم الاكتفاء بمجموعة أطباء عامين (GPS) ومن توقفوا عند بكالوريوس الطب والصيدلة منذ عشرات السنين.

رابعاً: عبثاً حاول التعقيب الربط بين النقد الصحفي ومصادرة الجهود، وهو سلاح العاجز عن العمل وسبق ان ذكرنا ان التقاعس الإداري من صغار الإداريين هو التنكر الحقيقي لكل الجنود والدعم السخي الذي توليه الدولة لجميع الخدمات ومنها الصحة وان النقد ما هو إلا عوين فعال لتحقيق الاستثمار الامثل للجهود المضنية والدعم السخي من قيادة هذا الوطن وهو خير عوين لكبار المسؤولين ومنهم وزير الصحة، المشهود له بالإخلاص والتفاني والمتابعة ووقوفه بنفسه على الخدمات في جولات مستمرة فهل يخشى الأخ الزهراني ان يكون الإعلام أحد عيون الوزير؟!.

خامساً: ليت التعقيب لم يستشهد بإنجازات على ورق في مجال التخلص من النفايات الطبية خاصة انه جاء بعد أيام من نشر الصحف لتقارير صحفية حول الوادي الذي نبتت أرضه بعدد هائل من الابر الطبية كجزء من مجموعة نفايات طبية خطرة.

سادساً: أين التقارير السنوية التي لا يحمر لها الوجه من الجدول اليتيم الذي توقف عند عام 1420هـ بينما نعيش في منتصف عام 1423هـ؟! لماذا لم تفِ وطنك حقه من تقديم المعلومة الصحيحة المحدثة؟!.

سابعاً: لو لم أكن متابعاً للنشرة الوبائية السعودية لما علقت على تقريرها الخطير عن انتقال الأمراض عبر عيادات الأسنان الذي لم يجد الطب الوقائي رداً عليه وأحب ان أنقل أمنياتي بأن لا يزيد تأخرها عن تسعة أشهر حتى لا تكون سنوية!!.

أخيراً لأخي محمد الزهراني أقول ان القلم الذي تتوهم أنه يهدف لمهاجمة الطب الوقائي هو أول من برأ وزارة الصحة من دم حمى الوادي المتصدع ودافع عنها لقناعته ببراءتها ولعلي أختلف معك في مفهوم الوطنية وحسن النية وأمانة القلم وهو اختلاف أفخر وأعتز به كثيراً.

اترك رد