فرسان التفسيرات

المؤكد أن هواة التفسيرات والتأويلات يشكلون مشكلة اجتماعية كبرى، لأنهم يعتمدون على حدس وظن تشوبهما رغبات شخصية كامنة، كأن يكون الشخص في داخله يتمنى أن تكون تقصد فلاناً أو علاناً فيعتقد ويروج أنك تقصده.

والتأويلات والتفسيرات ظواهر اجتماعية لا يخلو منها مجتمع أياً كانت درجة وعي وثقافة أفراده ولكن النسب تختلف.

أتصور، والله أعلم، أن درجة الشفافية والوضوح أكثر تأثيراً في ظاهرة التفسيرات من درجة الوعي، بمعنى أنه كلما زادت درجة الشفافية قلت فرصة نمو التفسيرات أو تواجدها في أي مجال كان.

حتى الالتزام بالمبادئ والأخلاقيات إذا أجبرتك على التكتم وعدم الوضوح فقد يؤدي إلى تزايد التفسيرات والشكوك.. خذ على سبيل المثال لو أن شخصاً فاضلاً صاحب مبادئ وأخلاقيات رفيعة أراد وعظ الآخرين ونصحهم مستدلاً بقصص ومواقف مشينة لأشخاص لم يرغب في إيراد أسمائهم من باب الستر عليهم أو اجتناب الغيبة فإن هذا التحفظ رغم انه بني على حسن نية وخلق حميد فإنه قد يجعل كل واحد من المستمعين يسرح بخياله ويجتهد في توقع الشخص المقصود وربما أعطى لنفسه الحق في إعلان توقعاته بما يسيء لعدد من الأبرياء.

الكاتب إذا لم يتمتع بهامش كاف من الحرية فسوف يضطر إلى التلميح بأسلوب يساعد على تعدد التفسيرات وتنوعها ويصبح النقد وسطاً ملائماً لنمو التأويلات والتخمينات بحسن نية أو بسوء نية، وقد يصل الأمر إلى حد الخطر لأن هواة التفسيرات ليسوا جميعاً من ذوي النوايا الحسنة، بل ليسوا جميعاً من الهواة فمنهم العديد من المحترفين الذين يتحينون فرص الإيقاع بين الناس ويجيدون استغلال عدم قدرة الكاتب على الإيضاح.

ومثلما أن هناك من يصطاد في الماء العكر فإن ثمة من يصطاد في الأسلوب الحذر ليروج للتفسيرات والتخمينات وتحديد المقصود حسب ما يعتقد أو حسب ما يرغب.

إن عدم الوضوح يجعل القارئ كمن يسير في درب مظلم، تارة يستدل بصوت وتارة يستدل بلمسة فتسهل قيادته!!

وعدم القدرة على الإيضاح تجعل الكاتب كمن يتحدث بلغة الإشارة تحسب عليه كل حركة وإشارة وتترجم حسب نوايا المشاهد إلى درجة انه قد يهش ذباباً ويفسر على أنه يلطم!!

اترك رد