Site icon محمد سليمان الأحيدب

الداخل المفقود!!

كتبت يوم الأربعاء الماضي عن المرونة الفائقة في عملية استحصال المبالغ من المواطن والتي أصبحت تستخدم فيها أعلى السبل والتقنيات ومنها تقنية الحاسب الآلي وفي المقابل التعقيد الكبير لأي عملية استرداد مبلغ أدخل إلى خزينة الدولة بطريقة الخطأ أو تكرار التسديد وضربت مثلاً على ذلك بإدارة الجوازات التي يسهل التسديد لها ويستحيل استرداد المبالغ منها.

البعض يعزو هذه الظاهرة إلى الآلية المفرطة في القدم والتي يتم بموجبها ادخال المبالغ المحصلة إلى وزارة المالية ويصعب بموجبها أيضاً رد المبالغ من أي ادارة حكومية إلى المواطن مباشرة بل يكاد يستحيل.

أنا أعتقد ان ما ذكر قد يكون سبباً لكنه ليس السبب الجوهري، لأن المشكلة أساساً هي مشكلة مفهوم ضرورة رد حق المواطن إليه نقداً، وعدم توفر القناعات بأن الطرف الآخر له نفس الحق في الحصول على المبلغ بالسرعة المطلوبة بل عدم توفر الشعور بأن الدفع أولى من الجباية وأجدر بأن يعطى الأولوية على أساس أن المواطن أشد حاجة إلى المبلغ من الجهة الحكومية في الوقت المحدد او قياساً بعامل الوقت.

ولعل أوضح دليل على أن الأمر برمته يتعلق بمفهوم خاطئ، أكثر منه بيروقراطية أو تعقيدات نظم إدارية قديمة، هو عدم اقتصار هذه المشكلة على الجهات الحكومية بل أن قطاع الشركات والمؤسسات الخدمية الخاصة تطبق نفس هذا المفهوم الخاطئ، “تدفع لنا حقنا نقداً ولا تسترد حقك إلا وعدا!!”.

شركات الكهرباء والاتصالات رغم انها لا تخضع لاجراءات وزارة المالية فإنها هي الأخرى لا يمكن أن تعيد للمشترك مبلغاً نقدياً أو حتى بموجب شيك!! فإذا ما نجح مشترك في الحصول على اعتراف بأن له الحق في استرجاع مبلغ دفع مرتين، أو استرداد مبلغ دفعه زائداً، فإنه يمنح وعداً بخصمه من فواتير مستقبلية واعتباره رصيداً للمستقبل دون مراعاة لاحتمال أن المشترك يفضل النقد أو يحتاج إليه!!.

هذا المفهوم السائد في القطاعين الحكومي والخاص يتجاهل حق المراجع أو المشترك في حساب ميزانيته الشهرية ويفترض أن كل شخص مهما كانت ظروفه لن يتأثر باحتجاز نقوده أو اجباره على الدفع المقدم لأشهر قادمة.

هذا الأسلوب يتجاهل فوارق الدخل ويتجاهل ان ثمة أناسا كثيرين يحسبون مصروفاتهم بالقطارة ويمضون ليلاً طويلاً في حساب المصروف الشهري بدقة متناهية املاً في أن يكفي راتب الشهر لمصروف ثلاثين يوماً ثم تأتي شركة الكهرباء أو الاتصالات أو جهة حكومية لتقرر نيابة عنهم ورغما عنهم وضع رصيد مستقبلي لم يحسب له أدنى حساب وتحويل نقودهم الى مستندات ورق لا تعين على قضاء حاجاتهم.

هذا المفهوم الجائر القى بظلاله على التعامل التجاري حتى أصبح أصغر متجر لا يقبل استرجاع سلعة مع رد النقود ولكن اعطاء ورقة تخول لك شراء سلعة أخرى مستقبلا!!.

هكذا هو المفهوم الخاطئ للتعامل يستشري بين الناس فيطبقه الأقدر على من لا حول له ولا قوة حتى على أدنى المستويات، الى درجة أصبح معها دافع النقود لا يحلم باسترجاعها وكأن النقود داخل مفقود!!.

Exit mobile version