Site icon محمد سليمان الأحيدب

النزاهة.. العملة النادرة

يتمتع الإنسان بقدرة كبيرة على التكيف مع المعطيات والظروف إلى درجة التنازل التدريجي عن أمنياته وطموحاته ليكتفي بالقليل جداً منها إذا شح الزمان بالكثير.

حتى في مجال الأحلام والأماني قد يختصر الإنسان امنياته إذا قلّت الخيارات، فالفتاة ترسم مواصفات عديدة في فارس أحلامها فإذا قل الفرسان اكتفت بأن يكون رجلاً وحسب. وقديماً قيل: الأعور في ديرة العميان مفتح لأن الديرة عندما خلت من المفتحين أصبح الأعور مميزاً.

نفس الشيء ينطبق على أمنيات الناس في صفات المسؤول عن قطاع ما، يريده الواحد منا أن يكون حريصاً على تحقيق الانجازات والرقي بخدمات القطاع والاخلاص لعمله ويريد الآخر نفس الصفات مع اضافة أن يكون حسن التخطيط واسع الخبرة في مجال عمله ويريد الثالث من المسؤول أن يكون حيادياً لا ينحاز لقريب أو ابن قرية أو إقليم، ويتمنى رابع أن يكون صاحب المنصب شعلة من نشاط قادراً على توظيف إمكانات القطاع المادية والبشرية في تحقيق أكبر قدر من الانتاجية في شكل مشاريع تطويرية ورقي بخدمات القطاع لما يحقق راحة ورفاهية المستفيد والوصول بخدمات المؤسسة إلى ما وصلت اليه الدول المتقدمة من تقنيات عالية وخدمات راقية، ويريده خامس أن يكون إضافة إلى كل ما ذكر متواضعاً، فاتحاً بابه للمواطن، مكثفاً جولاته التفقدية مهتماً بشكاوي المواطنين ومقترحاتهم وملاحظاتهم.

ولكن لأن الإنسان بطبيعته قنوع، سهل التكيف مع المعطيات والظروف فإنه ما أن يشعر بصعوبة تحقق هذه الأمنيات فإنه لا يمانع في التنازل عن الأمنية تلو الأخرى حتى يكتفي بالقول “يكفي من المسؤول الفلاني انه نزيه، نظيف اليد!!”.

وهكذا تختزل كل المتطلبات والمواصفات أعلاه بتوفر صفة النزاهة والعفاف ويكتفي الجميع بالقول أن فلاناً نزيه وهذا كاف.

السلامة من الفساد المالي مطلب هام، لكنه ليس منتهى الطموح أو أقصاه ولا يجب أن تتوقف كل القناعات أو جلها عند حد نظافة اليد!!.

ومع توجه الدولة الجاد والحثيث نحو محاربة الفساد الإداري فإننا نأمل أن تصبح النزاهة أمراً مفروغاً منه وصفة عامة لا عملة نادرة وأن تفرضها قوة وجدية وحزم محاربة الفساد ويواكبها فرض تحقيق المتطلبات المذكورة آنفاً على أساس أن البقاء للأصلح.

النزاهة ونظافة اليد واحدة من البدهيات ويجب أن تبقى كذلك، والبدهيات أو المسلّمات لا يمكن أن تعد ضمن المتطلبات ناهيك عن أن تكون أقصى الطموح، لكن الناس أحياناً يرسخون مفاهيم وقناعات خاطئة عن طريق قياس نسبي خاطئ حين ينسبون السيئ للأسوأ كأن يمتدحون من (يأكل ويؤكل) قياساً بمن (يأكل ولا يؤكل) والعياذ بالله من كل من يأكل مالاً حراماً سواء أأطعم غيره أو لم يفعل.

إن توجه الدولة أيدها الله نحو محاربة الفساد الإداري سوف ينقل فقرة النزاهة من قاموس المتطلبات إلى مكانها الطبيعي في قائمة البدهيات، حتى لا يقال يكفي أن فلاناً نزيه رغم انه يفضل أقاربه ويقصر في واجباته ويقفل بابه ويتغطرس وانعدم إنتاجه لأن نظافة اليد لن تكون عملة نادرة بإذن الله ثم بقوة الرقابة والحزم!!.

Exit mobile version