يبرز الاعتماد على المظهر عندما تفتقد القدرة على اختبار الجوهر، وذلك نتيجة لضعف مؤهلات المخولين بالتقييم سواء كانوا على هرم المسؤولية الإدارية أو ضمن مواقع في تشكيل الهرم المعني بالتقييم أو في المجتمع بصفة عامة.
كثيرون استغلوا اعتمادنا على المظهر في تحقيق مكاسب وظيفية واجتماعية ونفوذ بل وتسلط وممارسة القوة ضد الآخرين بناء على فروقات شكلية لا تحتاج إلا إلى حفنة نقود أو زمن أو هرمون أو مسمى أو لقب مع توفر استعداد اجتماعي شبه عام لمنح فرصة النفوذ لتلك الخاصية الشكلية غير المبنية على أدنى مبرر جوهري.
الانخداع بالمظهر تزداد فرص حدوثه كلما زاد في المجتمع الاهتمام بالشكليات، بينما في المجتمعات التي لا تعير اهتماماً يذكر للشكل يستحيل أن تحقق نفوذاً أو سلطة أو مكسباً لمجرد قدرتك على التلون أو “الحرباوية” أو تقمص شكل فئة معينة لأن الفئوية لا مكان لها في تحديد النفوذ.
بمعنى آخر فإن ارتداء بنطال “جينز” لا يقلل مطلقاً من فرص احترام الشخص على انه مسؤول كبير أو صاحب نفوذ وسلطة مثلما أن ارتداء “بدلة” ثلاث قطع فاخرة لا يعني حصول الجسد داخلها على أدنى مميز أو استثناء أو حتى احترام خاص إلى أن يثبت أنه جدير به بناء على واقعه وهو عارٍ.
في المقابل فإننا نعطي للمظهر دوراً رئيساً في إصدار حكمنا الأولى على الشخص وهو طبع متأصل منذ أن مد أبو حنيفة رجله.
لو حدث طارئ يجعل مسؤولاً يقطع ممارسة الجري ويحضر إلى مقر عمله مرتدياً بدلة الرياضة، مثلما حدث ذات مرة لمسؤول لا تنقصه الشهرة، فإنه يجد صعوبة بالغة في الدخول ناهيك عن فرض احترامه ونفوذه المعتاد عندما كان يتجول بالبشت!!.
في المقابل فإن البشت كان ولا زال تصريح دخول من الفئة “أ” لكل دائرة ومكتب حتى أن مدير المكتب وهو بواب أنيق يعترف أن قمة الحرج والتردد تحدث أمام الجسد المغلف ببشت!!.
وأعرف حامل بكالوريوس صنف وظيفياً ضمن حملة الدكتوراه لأن من حوله كانوا ممن ينادون خريج أي كلية صحية بلقب دكتور وقد أحيل للتقاعد دون أن يكتشف جهازه أنه مجرد حامل للبكالوريوس.
وهرمونياً قد نحكم على الأمرد بأنه مثقف لأن حلق الشنب واللحية صفة ارتبطت شكلاً بفئة تدعي الثقافة.
وهرمونياً، زمنياً، فإن خروج الشعر بغزارة لا يستغرق أكثر من سجن ثلاثة أشهر ومع ذلك فإن نموه قد يمنح الشخص سلطة ونفوذاً لا يشق لهما غبار.
وأخيراً فإنه يكفيك أن تستعير سيارة فخمة لتدخل من كل البوابات دون معارضة في حين قد يمنع برفسور من دخول مواقف الجامعة لمجرد أنه اضطر للحضور في “وانيت”.
أرجو أن نكون بفعل تراكم الخبرات والتجارب والزمن قد تعلمنا أن المظهر ليس أساساً للحكم على الأشخاص وأنه يمكن أن يستغل استغلالاً خطيراً وأن نكون أكثر حرصاً على طلب ما يثبت جوهر الشخص قبل الحكم عليه سلباً أو إيجاباً.