Site icon محمد سليمان الأحيدب

متصدع جنوب الرياض

في جنوب مدينة الرياض تتركز الكثافة السكانية الفعلية للمدينة، ليست فعلية في الأرقام فقط بل حتى في الوطنية والانتماء. ففي ظهرة البديعة والسويدي والدخل المحدود يشكل السعوديون الغالبية العظمى بعكس ما هو حاصل في وسط المدينة أو شمالها.

تصلي في مسجد في جنوب الرياض فتجد أن الشمغ الحمراء ترفرف في مساحة المسجد، تذكرك بمساجد الرياض القديمة الأصيلة.

في الأزقة والحارات والأسواق تلحظ تجول ساقين داخل ثوب تجاورهما في الغالب عصاء في جنوب الرياض بينما يعج الشمال بأزواج من العصي داخل بنطلون.

تلك مشاهدات قد لا تعكس رقماً احصائياً دقيقاً لتوزيع الكثافة السكانية في المدينة لكننا نعلم ويعلم المسؤولون جيداً أن أحياء جنوب الرياض هي الأحياء التي تضم الغالبية العظمى من المواطنين من أصحاب الدخل المحدود أو حتى الدخول الجيدة المتمسكة بالبقاء في تلك الأحياء بحكم قوة عامل الانتماء لديهم وعمقه سواء الحي أو الوطن.

على النقيض تماماً تأتي الخدمات لتكون مشرقة في الشمال باهتة في جنوب المدينة وكأنها خدمات تتباهى وتستعرض حول أرض المعارض وقرب مواقع المسؤولين!!

هذا القصور ليس وليد اليوم ولا يقتصر على خدمة دون أخرى فلعل الآراء في هذا الصدد متفقة بين القائمين على خدمات الصحة أو التعليم أو الخدمات البلدية وغيرها.. مما ولد انطباعا شبه عام يمثله رسام الكاريكاتير الزميل عبدالسلام الهليل عندما يختار شخصية النحيف لجنوب الرياض والسمين لشمال الرياض.

عندما يكون الفارق بين شطر من المدينة وآخر في تنظيم الطرق أو سعتها أو جمال الحدائق أو تواجد المطاعم الراقية والبنايات الشاهقة فقد يرجع هذا إلى طبيعة الأحياء وحداثة تخطيطها وفي ذلك عذر مقبول.

أما عندما يبرز الفارق في شكل خدمات صحية فيكون المستشفى الحكومي الوحيد في جنوب الرياض على الصورة التي عراها تحقيق جريدة الاقتصادية يوم أمس الأحد 23ذوالقعدة 1423هـ فإن الأمر يدعو إلى وقفة طويلة ليس من أجل بحث وضع الخدمات الصحية في المملكة فيميع الموضوع ولكن بالتركيز على خلفيات سوء توزيع الخدمات في المدينة الواحدة وعدم العدل في توزيع نقاط الخدمة ليس هذا وحسب بل تفاوت نوعية الخدمة، من مستشفيات متقدمة على أعلى المستويات تتركز في شطر من المدينة ومستشفى واحد في الشطر الآخر هو أقرب إلى مصدر العدوى والمرض منه إلى مستشفى!!

لقد أدرك الجميع هذا التفاوت الغريب في توزيع إرث الصحة إلى درجة جعلت عبارة (أول مستشفى أهلي في جنوب الرياض) شعاراً لأحد الإعلانات التجارية.

هذا اللوم والتساؤل ليس موجهاً فقط إلى وزارة الصحة، بل إلى جميع القطاعات الحكومية التي أنشأت مستشفيات كبرى في الرياض، لماذا لم يتم إنشاء توأم لأحد هذه المستشفيات في جنوب المدينة؟! مع العلم أنه وبحكم النسبة والتناسب اللذين تحدثنا عنهما في البداية فيما يخص عدد السكان من المواطنين فإن جنوب المدينة هو الشريان الرئيسي المغذي لتلك القطاعات بصغار المنسوبين!!

وزارة الصحة أنشأت مستشفى الأمير سلمان وهو المستشفى الذي تناوله تحقيق الاقتصادية على مساحة صفحتين، والواضح أنه يمثل قمة عجز الوزارة عن إدارة منشآتها، والعيب على ما يبدو ليس في الوزارة ولا الوزير ولا مدير الشؤون الصحية بالمنطقة الوسطى السر يكمن في سوء تقدير تكلفة الرعاية الصحية وحسابها على أساس قديم عندما كان المستشفى يسمى “صحية” ولعل أوضح دليل هو أن تبرعاً واحداً حوّل مستشفى الشميسي (مجمع الرياض الطبي) من “صحية” إلى مستشفى.

في إجابة للدكتور حمد المانع على سؤال في ذات التحقيق حول ما إذا كان هناك ميزانية لمشروع تطوير الإسعاف والعيادات الخارجية والعناية المركزة للمستشفى فرد قائلا هناك متبرع لتنفيذ المشروع.

سؤالي هو هل يمكن لخدمة صحية أن تدوم على أساس التبرع؟ ولماذا تعتمد صحة جنوب الرياض على التبرع والتبرع فقط؟! هل نحن بحاجة لمتصدع في جنوب الرياض لنلتفت إلى هذا الشطر المأهول بالسكان الأكثر إنتاجية؟!

Exit mobile version