حكمة الرئيس المباشر

كثير من الشواهد تثبت أن كثير جداً من السلوكيات الإدارية الخاطئة، حتى على مستوى عال، هي في الواقع اجتهادات شخصية للمسؤول ولا تمثل اتباعاً لنظم أو إجراءات أو سياسات رسمية متفق عليها.

خذ على سبيل المثال لا الحصر التعامل مع محاولة رشوة موظف.

كتبت منذ حوالي شهر تحت عنوان “عقدة الرئيس المباشر” عن تعامل مؤسسة حكومية ذات طابع اجتماعي مع موظف تعرض لمحاولة رشوة وتعاون مع الأجهزة المختصة حتى تم القبض على الراشي متلبساً ومع ذلك فإن الموظف عانى بسبب نبله لمجرد انه تخطى المدير العام الذي أسميته الرئيس المباشر وكنت قد أخفيت اسم المؤسسة ليس عن قناعة ولكن احتراماً لرغبة غريبة من المؤسسة في التكتم على الموضوع ورفض لإطلاع الصحافة عليه رغم أن الحادثة المتمثلة في محاولة الرشوة صدر فيها تعميم لكافة الموظفين مع إخفاء اسم الموظف الذي يعرفه زملاؤه جيداً، وإخفاء اسم موظف نبيل في حد ذاته يعتبر إجحافاً في حقه لا يقل عن الإجحاف بعدم مكافئته.

في الماقبل نشرت صحف “الرياض” و”الجزيرة” و”الوطن” و”عكاظ” يوم أول أمس الاثنين ما مفاده انه “تعرَّض اثنان من موظفي الشؤون الصحية بالحرس الوطني لمحاولة رشوة فقاما بإبلاغ معالي الدكتور فهد العبدالجبار وتم التنسيق مع الجهات المعنية والقبض على الراشي متلبساً وبمجرد انتهاء العملية بنجاح قام معالي المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية بالحرس الوطني بتوزيع تعميم على جميع الموظفين يحمل إشادة بما قام به زميلاهم ومنح مكافأة مالية خاصة من الشؤون الصحية لكل منهما نظير أمانتهما وفي الوقت نفسه رفع لنظر صاحب السمو الملكي الأمير ولي العهد بما حدث فأمر – يحفظه الله – بتقديرهما وصرف مكافأة مالية سخية لهما” انتهى الخبر.

وهنا لا بد من وقفة مقارنة بين التصرف في حالتين متشابهتين ففي الأولى وزع تعميم دون اسم الموظف (!!) ولم ينشر الخبر في الصحف “رغم انتفاء حالة السرية بتوزيع التعميم” ولم يمنح الموظف مكافأة تشجيعية ولا معنوية سوى تسريع ترقية مستحقة ولم يحصل على مجرد خطاب شكر(!!). وفي الثانية وزع تعميم يحمل إشادة بالموظفين باسميهما وإعلان مكافأة مالية لكل منهما ونشر الخبر في الصحف ليس هذا فحسب بل تم الرفع لمقام صاحب السمو الملكي ولي العهد عن هذا الموقف النبيل فجاء التقدير من أعلى المستويات وجاءت المكافأة من يد سخية لا تنفق ريالاً واحداً في غير محله.

وإذا اتفقنا أن موقف المؤسسة الاجتماعية برمته كان محبطاً للموظف النبيل، رغم أن أمثال هؤلاء النبلاء يقصدون مكاسب اليوم الآخر ولا تؤثر فيهم إحباطات الدنيا، فإن من واجبنا أن نبين النتائج الإيجابية المتوقعة من الموقف المغاير الذي اتبعته الشؤون الصحية بالحرس الوطني ومنها على سبيل المثال ما يلي:

– التعميم على جميع الموظفين والمشتمل على اسمي الموظفين ومكافأة مالية لكل منهما أشاع جواً من التهاني والتبريكات والتشجيع في أرجاء الشؤون الصحية بالحرس الوطني سواء في الرياض أو المدن الأخرى وجعلهما يعاملان معاملة الأبطال وفي مثل هذا الجو تصحو النفوس المريضة التي لا يمكن لأحد أن يستبعد تماماً تواجدها وبالتالي فإن تيار الصلاح يكون هو الأقوى.

– النشر في الصحف عن ذلك الموقف النبيل بشفافية ووضوح له مردودان عظيمان على الوطن ككل الأول إشاعة نفس جو الصحوة وتيار الصلاح وإيقاظ الأنفس المريضة والثاني ردع من ينوي الإغراء بالرشوة “أجزم أن عدداً ممن كانوا في طريقهم لتقديم رشوة امتنعوا لتوقعهم أنهم متجهون إلى مصيدة وهذا جيد خاصة أننا لا نضمن فعلاً انهم كانوا متجهين إلى مصائد”!!.

– صدور التقدير السامي والمكافأة السخية من لدن ولي الأمر تؤكد أن محاربة الفساد تبدأ بالاعتراف بوجود محاولي الإفساد ومحاربتهم ومن يستجيب لهم ومكافأة من يرد نفسه عن هوى إغراءاتهم حتى لو كان هذا واجبه نحو دينه ووطنه.

اترك رد