Site icon محمد سليمان الأحيدب

طالبات في ديوان المظالم

القرار الغريب الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم (باكورة إنتاج الوزارة بعد المسمى الجديد) في حق الصغيرات البريئات اللاتي تم قبولهن طوعاً في مدارس الوزارة أو القطاع الخاص قبل أن يكملن ما يسمى بالسن القانونية، هذا القرار بدت آثاره السلبية المتوقعة تبرز للعيان في شكل إحباط نفسي خطير لمئات الصغيرات (أمهات ومعلمات وطبيبات ومربيات المستقبل) لا تحمد عقباه على المدى القريب والبعيد ولا يفترض وطنياً أن يترك لتعسف قرار مرتجل غير مدروس ولا مبرر، بل إن كل مبرراته ترد عليه فمن محاسن الصدف أن جل من ظلمهن القرار ناجحات بامتياز!!
الآثار لم تقتصر على نفسية الصغيرات بل طالت إدارات التعليم ومكتب الوزير والدوائر القضائية وديوان المظالم ناهيك عن مقرات الصحف وصفحاتها والبريد العادي والإلكتروني للصحافيين، والوزارة تستمتع بما يحدث، ربما لأن فيه ترديداً لاسمها الجديد الذي لم تثبت بعد أن لها منه نصيباً.

كم هائل من شكاوي التظلم لتلك الجهات لم تحرك ساكناً في وزارة التربية والتعليم التي يبدو أنها تعيش مرحلة قفل لباب الحوار وتيبس للرؤوس ربما يكون أحد أعراض غرور من نوع خاص كغرور التجديد مثلاً.

كنا جميعاً سنصفق لهذه الوزارة لو طبقت المثاليات في أمور أكثر أهمية بناء على جدول مقنع للأولويات!!، كنا سنقف احتراماً لو راجعت وعدلت بأثر رجعي قرارات التعيين التي تمت بتوسط أو استثناءات النقل للمعلمات والمعلمين التي لعبت العلاقات الخاصة والأوراق الصغيرة دوراً في إنجازها دون ميزة أخرى مستحقة، كنا سنرفع (الطواقي) إجلالا لو أن التصحيح بأثر رجعي طال ترسية مشاريع أو محاسبة مقاول أو معاقبة متعهد ربما حظي أحدهم بتجاوز كونه ابناً أو صديقاً.

أما أن يكون التطبيق بأثر رجعي في حق صغيرات لا يدركن ما حدث ويحدث بل وحتى أولياء أمورهن، عوقبوا في فلذات أكبادهم بناءً على ادعاء مخالفتهن للتعميم رقم 13/2777في 1424/3/19هـ وهو في الأصل تعميم سري لم يبلغ به ذوو المصلحة ولا تقوم به الحجة كونه غير معلوم لأولياء أمور الطالبات ولم يمنحوا فرصة التجاوب معه بعد أن شاع وطبق بأثر رجعي يسبق حتى تاريخه وهو سري!!

سيل من الشكاوى والمخاوف من التعرض لأمراض نفسية لم تعرها وزارة “التربية” أدنى اهتمام مما حدا بأصحابها إلى التحول إلى ديوان المظالم والقلوب الرحيمة لكبار المسؤولين وبذلك فإن وزارة التربية والتعليم شكلت ثقلاً على الدوائر الأخرى والأبواب المفتوحة، ليس لقلة وعي المواطن كما كانت الحجة قديماً ولكن لأن وعي الأب والأم بالتصرف الصحيح وبحقوقهما وبالمنطق وبما يترتب على القرار من تداعيات نفسية خطيرة أصبح يفوق قدرات بعض متخذي القرارات.

إن قراراً مثل هذا كان من المفترض أن يجاز من جهة تدرك أبعاد القرار كمجلس الشورى وأرى أن يعاد النظر فيه دون الرجوع لوزارة التربية والتعليم لأنها بموجب ما رفع من تظلمات كثيرة هي الخصم ولا يجوز أن تترك كحكم.

أمامي الآن دعوى مرفوعة لديوان المظالم في هذا الصدد فيها من الحجج والحيثيات ما يؤكد أنها لن تخسر في بلد العدل، هي واحدة من مئات الشكاوى المماثلة، الطريف المبكي فيها أنها لصغيرتين توأم حصلت كل واحدة منهما على أعلى درجة في سلم التقويم بما في ذلك الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية والفرنسية وشهادة تقدير واتقان لجميع المعارف والمهارات (أليس التقويم هو الفيصل؟! وأيهما أخطر الصعوبات التي تتوقع الوزارة أنها ستواجه الطالبات أم العقد النفسية المؤكدة كنتيجة للقرار؟!) ولنتمعن في عبارتين مؤثرتين كتبتهما رائدة الفصل للتوأم قبل أن تعلم ما ينتظرهما من مصير مظلم، إحدى العبارات تقول: (بارك الله بك طالبتي المثالية أنت فخر لنا أتمنى لك مستقبلاًمشرقاً لأننا بك نزهو وعلى أمثالك نعقد آمالاً كباراً بعون الله تعالى) وتقول الأخرى: (جهودك المبذولة ومواظبتك الدائمة جعلتك في مقدمة الممتازات بارك الله بك طالبتي المجدة وأتمنى لك مستقبلاً مشرقاً بعون الله تعالى).

مثل تلك العبارات تحفظها الطالبة عن ظهر قلب!! ترى ماذا سيحدث عندما ترى نفس المعلمة في نفس الصف تعيد تدريسها نفس المواد التي ادعت أنها تفوقت فيها؟! هل ستصدق المعلمة مستقبلاً؟! هل ستحبها؟! هل ستصدق أي شيء في هذا الوطن؟! بل هل ستحبه؟!

Exit mobile version