قنوات الشـكوى

وسائل تخفيف الضغوط النفسية على المواطنين كثيرة ومتعددة بمثل تعدد الضغوط نفسها ومسبباتها. وبالتالي فان إحدى هذه الوسائل لايمكن ان تغني عن الآخرى لان علاج عضو من الجسد من شكوى معينة لايغني عن معالجة اعضاء اخرى من آلام مختلفة لكي يصح الجسد ويستقيم.
البطالة مثلاً عامل ضغط نفسي وتخفيفه يكون بتوفير الوظائف في القطاعين العام والخاص اي التوظيف، في المقابل فإن عدم توفر فرص الالتحاق بالتعليم الجامعي او العسكري او المهني عامل ضغط نفسي آخر وعلاجه بتوسيع امكانية ودائرة الاستيعاب في مجال التعليم وهكذا فان مسببات التذمر تتعدد وتحتاج الى معالجة كل منها على حدة وبنفس الحدة!!.

في رأيي الشخصي ان عدم توفر قنوات فعالة وكافية لاستقبال الشكاوى خاصة على تقصير الجهات الحكومية وتعسف بعض الموظفين والمسؤولين وضياع بعض الحقوق في هذا الصدد في زحمة الروتين ووسط اجواء تمييع القضايا والتظلمات احد مسببات الضغط النفسي وحالة اليأس التي يشعر بها صاحب الحق الضائع وهي جديرة بالاهتمام والمعالجة بنفس الاهتمام والجدية التي نوجهها للمنغصات الاخرى المذكورة آنفاً.

صحيح ان ديوان المظالم يستقبل تظلمات المواطنين والمقيمين بما في ذلك شكواهم على الدوائر الحكومية لكن الشعور العام انه يعنى بالقضايا الكبيرة التي تحتاج الى نفس طويل وصبر قد يطول كثيراً فهو يغص بهذا النوع من القضايا المعقدة طويلة الامد.

في جانب الشكوى على القطاع الخاص تلعب حماية المستهلك دوراً لا بأس به وان كانت تعتمد اعتماداً تاماً على مستندات وشروط معدة من قبل التاجر ومهمتها البحث عن خلل او إخلال تحمي به المستهلك.

خلاف ذلك فان المواطن في حياته اليومية وطلباته ومراجعاته ومشاحناته مع الدوائر الحكومية والخاصة اذا تعرض لظلم او (غبن) اوسلب حق او إهانة او تقديم غيره عليه او تعريضه للخطراواتخاذ موقف شخصي ضده أو غيره من صور التضييق فانه لا يجد امامه سوى قناة الصحافة للشكوى وكانت الدوائر الحكومية تتفاعل مع الشكوى الصحفية بالدفاع والنفي اما الآن فانها لم تعد تعير اهتماماً حتى لما ينشر.

السؤال العريض الآن هو لمن يشتكي المراجع او المواطن مثل هذه الممارسات اليومية التي لاترقى الى كونها قضية قضائية تحتاج الى صبر وتوكيل محام وخلافه وفي الوقت ذاته هي من أهم مسببات التذمر والقلق والضغط النفسي؟

المسؤول عن الدائرة الحكومية الموجهة ضدها الشكوى يتخذ في الغالب موقفاً دفاعياً عن الموظف او الادارة وغالباً ما يخرج من مكتبه المشتكي وهو اكثر تذمراً وتظلماً!!.

هذا ينطبق على المدير او وكيل الوزارة او حتى الوزير اذا كان ممن يفتح بابه فالموقف سلبي متعب لايرد حقاً ولايمنع باطلاً فالخصم هو الحكم ولعل اكثر الادلة وضوحاً على هذا التواجه هو ان جميع الوزارات دون استثناء ليس بها ادارة استقبال شكوى بينما جميعها بها ادارة كبرى للعلاقات العامة يقوم عليها رجل من اهم شروطه ان يكون إعلامياً له علاقات تضمن الدعاية لصاحب المعالي والدفاع عن وزارته بكل السبل.

ما أراه حلاً ضرورياً هو ان يكون لديوان المظالم او لهيئة الرقابة والتحقيق مكتب مستقل في كل وزارة يستقبل شكوى المراجعين ويسعى لإنصافهم دون ان يتأثر بسلطة مسؤولي الوزارة مشابه لوضع ممثل مالي لوزارة المالية في كل قطاع.

ليس أنسب لخفض ضغط دم مواطن أثاره الاستفزاز من مكتب مستقل يرد حقه او يسعى لذلك وليس اخطر من تركه يعود لمنزله وقد استفرد به اليأس وهو يعلم جيداً انه ظُلم.

اترك رد