المسعفون ينقذون الرقابة الدوائية

يوماً بعد يوم يثبت لنا قطعياً وعن طريق برهان عملي أن الوقت ما زال مبكراً جداً على منح الثقة للقطاع الخاص كي يصدر شهادات أو وثائق من أي نوع كان.
ولهذا السبب كنت وما زلت قلقاً وبشدة بسبب النية في إيكال تحليل الأدوية لمختبرات تتبع للقطاع الخاص لأن تلك المختبرات الخاصة سوف تمنح شهادة الجودة بمقابل مادي وهذا معناه أن مستقبل الرقابة على جودة الدواء وفاعليته والأمن من خطورته سيكون سلعة تجارية تخضع للمرونة في التعاون والعرض والطلب وتحقيق الربح مع عدم توفر الآلية الحكومية لضبط هذا التسيب المتوقع.

لنا أن نستشهد بما حدث من تجارة واسعة للتقارير الطبية وتقارير الإجازات المرضية وتقارير سلامة العمالة المنزلية من المرض، كل ذلك حدث لأن الثقة منحت للمستشفيات والمستوصفات الخاصة لمنح مثل هذه الشهادات الأساسية دون توفر إمكانات رقابية ولو بالحد الأدني. وكانت النتيجة تسيباً وظيفياً بإجازات مرضية وهمية، وخادمات يحملن الإيدز ويحملن شهادة خلو من الأمراض، بل ممرضات مصابات بأمراض معدية ويعملن في مستوصفات خاصة وحلاقون يمارسون مهنة الطب بشهادات مزيفة ويمارسون أعقد العمليات الجراحية.

ما تعرض له خريجو دورات تدريب المسعفين من عدم قدرتهم على اجتياز امتحان وزارة الصحة ناهيك عن استحالة توظيفهم رغم تخرجهم من معهد تجاري مثال صارخ جديد لكنه غير مفاجئ بل كان متوقعاً جداً بناء على الطريقة الخاطئة التي تم بموجبها فتح باب الالتحاق بتلك الدورات أو بأسلوب أكثر دقة فتح باب التجارة برغبات شباب عصامي يبحث عن المستقبل والأمن الوظيفي حتى لو استدان ودفع مبلغاً كبيراً قوامه 25ألف ريال لشراء الأمل.

الجديد في موضوع مخرجات دورات المسعفين أن فتح الباب جاء من جهة واحدة لا تملك هذا الحق بمفردها وهي إدارة التدريب والتطوير بجمعية الهلال الأحمر عندما بدأت اتفاقات فردية مع معاهد تدريب دون إقرار مثل هذه الاتفاقات من جميع الجهات ذات الاختصاص وروجت لهذا الاتفاق وجعلت منه باب أمل كبير عن طريق تفعيل آلية بين طرفين فقط لقبول الخريجين مباشرة ثم دخل أطراف آخرون يبحثون كغيرهم عن الربح الوفير المتمثل في ( 25ألف عن كل رأس) مع أقل جهد ممكن في التعليم.

لقد أحدث هذا التوجه عديم التنسيق في بداياته ونهايته إرباكاً كبيراً لدي هيئة التخصصات الطبية ووزارة الصحة والخريجين أنفسهم وتضرر جميع هؤلاء واستفاد قطاع خاص وأشخاص.

هيئة التخصصات وجدت نفسها أمام معهد يشهد إقبالاً بسبب اتفاقياته مع الجمعية ومعاهد أخرى تريد العدل وتساوي الفرص ويبدو أنها وضعت في موقف حرج لا يقبل إلا اعتماد أي معهد يعادل ذلك المدعوم. ولأن المقياس أو المرجعية ضعيف جداً أصبح الجميع في نفس المستوى!! وزارة الصحة هي الأخرى وجدت خريجين لم يؤهلوا لكي يستجيبوا لمتطلبات أو يجيبون اسئلتها إلى درجة أن نسبة من اجتاز الامتحان هي واحد من كل مائة طالب وهو أمر لا ذنب للطلاب فيه فهم دفعوا لكي يتعلموا ويخدموا بلدهم.

لا شك أن إدارة التدريب والتطوير بجمعية الهلال الأحمر لابد أن يتم مساءلتها كيف ورطتنا في فتح هذا الباب دون تنسيق مع الجهات المعنية ومع إعطاء الاهتمام بالماديات دون الأكاديميات.

لكن السؤال الهام الآخر هو هل سنستمر في منح الثقة للقطاع الخاص في أمور تأهيلية ذات حساسية وخطورة مثل فحص الأدوية رغم ما شهدناه من مواقف سلبية ودروس مؤلمة ورغم أننا نفتقر لأهم عناصر منح الثقة وهو القدرة على الرقابة وكشف التلاعب. أعتقد أن علينا أن نتوقف فالوضع لا يحتمل المجازفة.

اترك رد