جثة في بحيرة العقيق

إحدى مشاكلنا المزمنة أننا نرى عيب المواطن ولا نرى عيوب أنفسنا، وتبني بعض الوزارات والأجهزة الحكومية أنظمتها وإجراءاتها الجزائية القاسية على أساس عيوب ممارسات المستهلك أو المواطن والعيب فيها أشد وأعظم.
حادثة انفجار ماسورة الماء في حي العقيق ونشوء بحيرة من الماء النقي المحلى (ماء نحن في أمس الحاجة إلى كل قطرة منه، وصرفنا على تحليته مبالغ نحن في أشد الحاجة إلى كل ريال منها) أقول حادثة هدر الماء ليست المثال الوحيد على مشكلتنا المزمنة تلك فنحن نعيشها شبه يومي مع كل وزارة ودائرة حكومية، لكن وزارة المياه بشاعريتها وحسها المرهف وتدفق مشاعرها ساهمت بتدفق الماء لتذكرنا أن الترشيد في استهلاك الماء شأنه شأن ترشيد الصرف المالي هو مطلب ملح يجب أن يعيه المواطن وليس بالضرورة أن يعيه المسؤول!!، وكأن الترشيد في كافة أشكاله مطلب “مواطني” وليس وطنياً!!

الأمثلة كثيرة، نقولها لأننا نعيشها عياناً بياناً في أوجه كثيرة من حياتنا.

في وقت مضى كان المواطن مطالباً بالترشيد في استخدام الكهرباء لتخفيف الأحمال على المولدات وكانت في الوقت نفسه أضواء الشوارع تعمل نهاراً ومكيفات وأضواء الوزارة على أشدها ليلاً رغم خلو الوزارة

في المقابل ومنذ أن نشأت سحب الأزمة الاقتصادية ووزارة المالية تطالب المواطنين بضرورة تقدير الوضع الذي يحتم التقشف وربط الأحزمة مع أن الوزارة نفسها ترى يومياً أوجه الصرف غير المرشد في جوانب كثيرة ولا تسجل موقفاً أو تحرك ساكناً.

يا أولي الألباب: المواطن بشر له أحاسيس وله مشاعر سريعة التأثر والتغير فإذا قرر الإقلاع عن التدخين ثم شاهد طبيباً يدخن قلت همته حتى في حماية صحته وعاد لممارسة ما يضره، وإذا قرر الترشيد في الكهرباء ثم شاهد أنوار الشوارع تضيء نهاراً أحبط ولم يتعاون وإذا هم بالتقشف تجاوباً مع مطلب وطني ثم لاحظ أن الوطن نفسه لم يتقشف في أوجه صرف أكبر، تقشفت مشاعره الوطنية، وإذا تأثر بلوحات التوسل بأن قطرة الماء ثمينة تستحق من يتلقفها بكفيه ثم رأى أن وزارة الماء لا تعير اهتماماً لقسم الطوارئ ولا تتحرك لإصلاح أنبوب من الضغط العالي حتى يشكل بحيرة في عز الصيف فإنه سوف يعتذر لخادمته عن توبيخه لها بالأمس لأنها غسلت الصحون بماء الصنبور المتدفق ولم تستخدم الحوض وسيصبح مفهوم الترشيد في نظره جثة مطمورة في بحيرة العقيق.

بالمناسبة أود أن أسأل سؤالاً بريئاً جداً: بحيرة العقيق عندما تمتصها الأرض ويتوجه ماؤها إلى “بيارات” سكان الحي فتمتلئ وتحتاج إلى “صهريج” شفط من سيدفع تكلفة الصهريج؟! الشركة سبب العطل أم وزارة المياه، أرجو أن لا يقول أحد بأنه المواطن، لأنه ليس ضمن خيارات الجواب الصحيح ولا يصح إلاّ الصحيح بس الصحيح أن الذي سيدفعها المواطن.

اترك رد