ليعذرني وزير التربية والتعليم ونائبه فقد شدني الحنين لممارسة الأبحاث والدراسات فقررت أن أستغل فراغ الطلاب والطالبات وإجازتي السنوية وأوزع استبياناً عن مدى رضى طلاب وطالبات المدارس الحكومية عن وضع هذه المدارس من عدة جوانب أحدها توفير البيئة المناسبة للدراسة وقضاء ست ساعات يومياً، على أقل تقدير.
اختيار زمن العطلة المدرسية لم يكن لمجرد استغلال الفراغ ولكن تلافياً لانتشار خبر الاستبيان بين الطالبات والطلاب ثم صدور تعميم يهدد من يكتشف تورطه في تعبئة الاستبيان بالفصل أو إعادة سنة دراسية واعتبار السنة الماضية (سنة تحضيرية)!!
لن تكفي هذه المساحة لمجرد إيجاز الانطباع الأولي عن نتائج الدراسة، وأعد بأن أقدمها عند استكمال تحليل البيانات لمن يقبل النصيحة والرأي الآخر في وزارة التربية والتعليم.
اسمحوا لي بأن أتطرق وبسرعة لما بدأ يتضح لي حول عنصر واحد فقط، لكنه هام، هو توفر الحد الأدنى لتلبية الاحتياجات الآدمية خلال ست ساعات يقضيها مجموعة من البشر في المدرسة منهم الأطفال والصغار والمراهقون من بنين أو بنات.
اتضح بشبه إجماع أن البيئة المدرسية لا توفر أبسط مقومات السلامة أو الوقاية ناهيك عن الجو المناسب لاستيعاب الدرس، وهذه معلومات ليست بجديدة إلا في بعض التفاصيل. فمثلاً لم يدر بخلدي قط أن بناتنا أثناء فترة الاختبارات “بداية الصيف الحار” يتم إخراجهن من الفصول وإنزالهن للساحة بين حصص الامتحانات ويتركن في الشمس حتى لا يكتبن على الطاولات أو يخبئن البراشيم!!
كنت أعتقد أن شحوب الخارجة من الاختبار وسواد بشرتها وذبولها كان بسبب صعوبة الامتحان أو الشحن النفسي، كنت أحسب أن البقاء في الشمس حكراً على المحكومين بالأعمال الشاقة.
في أمر آخر هام فإنني شخصياً أعتبر أن قضاء الحاجات الآدمية في جو من الخصوصية والصحية، أهم من تعليم الحاسب أو برامج الموهوبين، فتلك الخصوصية طبع بشري يجمع عليه جميع سكان العالم المتحضر والمتخلف على حد سواء “حتى بعض الحيوانات تحرص على الانعزال عند قضاء حاجاتها الفسيولوجية!!
هل يعلم الوزير أن 90% من الطالبات في المدرسة الحكومية لا يستخدمن دورة المياه في المدرسة مهما كان السبب لأنها غير مناسبة لدخول البشر ولا تحقق أبسط احتياجات الطهارة ناهيك عن النظافة والصحة، ولأنها أيضاً لا تحقق الستر ولا الخصوصية بسبب عدم إمكانية غلق الباب أو حتى سده!!
يقول العديد منهن أنها تفضل التحجج بأية حجة للغياب أو التمارض للخروج من المدرسة إذا علمت أنها ستحتاج إلى دورة المياه!!
كيف لطالب أن يصبح موهوباً أو يستوعب استخدامات الحاسب الآلي وهو لا يستطيع أن يقضي حاجته؟! ألم أقل لكم أن صيانة المدارس أهم من بلايين تصرف على الحاسب والموهوبين!!، لكن ثمة فرق أهم لمن يعشق الأضواء، ما قيمة خبر صحفي عن افتتاح دورة مياه؟!
أطرف ما في الدراسة أن أُمّا تقول بأن ابنتها الصغيرة في المرحلة الابتدائية تسعى إلى مصالحة زميلتها مهما حدث من شجار ويهمها كسب ودها لأنها الوحيدة التي تمسك لها باب الحمام وتحرسها بإخلاص حتى تنتهي “ربما تهدف الوزارة من عدم الصيانة إلى إصلاح ذات البين”.
تقول إحدى طالبات المرحلة الثانوية: لا أدخل دورة المياه إلا لإصلاح “طرحتي” في المرآة والتأكد من نضارة وجهي، لكنهم يرشون المرايا بواسطة “بخاخ” الدهان حتى لا نتمكن من النظر في المرآة، فنقوم بحك “البوية” لننظر إلى وجوهنا!!
عجباً، لماذا وضعت المرايا إذا كانت سوف تدهن وهل من “التربية” منع النظر في المرآة؟! ربما أرادت أن تزيل بعض إفرازات عينيها صباحاً مجاملة لمشاعر الزميلات وحتى لو أرادت أن تتزين في المدرسة فما المانع؟!
إنها متلازمة التناقض بين القول والعمل.