مكسور العين

إذا غض المسئول عينه عن ممارسات موظفيه، خاصة تلك التي تتعلق بالفساد الاداري فاعلم أن ذلك المسئول من مكسوري العين!! أي انه ممن يمارسون نفس الممارسات فلا يمكن له أن ينهى عن خلق وهو يأتي بمثله لأنه يعلم أن ذلك عار عليه إذا فعل عظيم، مع أن العار الأعظم هو أن يمارس الفساد.
والعين زجاجية شفافة يسهل كسرها وخدشها، وإذا كسرت فإنها تكون خجولة جداً ضعيفة المواجهة!!

والعين تنكسر أمام الموظف إذا اكتشف فساد رئيسه فيصبح ذلك الرئيس مكسور العين غير قادر على السيطرة على مرؤوسيه ومنعهم عن ممارسة الشيء نفسه وبذلك يعم الفساد.

وتنكسر العين أيضاً أمام الراشي فيصبح المرتشي غير قادر على التراجع والامتناع عن تنفيذ الرغبات المستقبلية للرشاة حتى لو أراد ذلك، بل إنه يصبح غير قادر على معاقبتهم أو التصدي لهم لوقف ممارسات أخرى لم يحصل على مقابل لها، وبذلك يصبح في موقف ضعيف دائماً يجعله يفضل الاستفادة والاستمرار في تلقي المزيد من الرشوة على أن يتوقف مادام غير قادر على الايقاف.

أي ان كسر العين لا يجبر مطلقاً عندما يحدث أول مرة، وثمة متربصون يجيدون كسر العين الضعيفة وإذا نجحوا في المرة الأولى فإن المسئول أصبح في حكم المملوك، وإذا أصبح وهو رب البيت بالدف ضارباً فيستحيل أن يمنع أهل بيته من الرقص حتى يصبح شيمة أهل بيته الرقص.

ومع أننا اسلفنا أن العين كالزجاج، والزجاج ينكسر دفعة واحدة أو لا ينكسر مطلقاً، إلا ان للعين خاصية فريدة وهي أنه يمكن كسرها تدريجياً عن طريق خدشها في البداية خدوشاً تبدو بسيطة ثم الإجهاز عليها وكسرها مرة واحدة تكفي الدهر كله.

الشركات والمؤسسات التي تفتقد للنزاهة ورجال الأعمال غير الصالحين يجيدون فن كسر العين التدريجي فتكون البداية بهدية ثم فزعة ثم خدمات مجانية تليها سفرة على حساب الشركة أو انتداب لحضور مؤتمر إلى أن يصل الأمر بالمسئول وقد أصبح يسكن على أرض ممنوحة من شركة مستفيدة ويركب سيارة مهداة ويسافر على حساب مؤسسة مستفيدة فأنى له أن يقول لأحدهم لا؟! ومايزال يقبل الإهداء حتى يبدأ في قبول “الكاش”!!

ومجتمعنا ليس حديث عهد بأساليب كسر العين فقديماً قالوا: أشبع البطن تستحي العين فكانت الولائم “والعزايم” أحد أساليب كسر العين أما الآن فإن الوضع والأسلوب قد تطورا لكن النتيجة واحدة!!

والعين لا تنكسر أمام المرؤوسين وحسب بل حتى أمام من هم في نفس المستوى من زملاء المكسور، فكيف لمسئول أن يستنكر على زملائه خلقاً هم يعرفون أنه يمارسه؟! فحتى الاستنكار إذا كسرت العين يصبح مستحيلاً.

اللهم اجعل عيون مجتمعنا قوية براقة ضد الكسر ليقل الفساد ويعم الصلاح.

اترك رد