تفجير المرور.. براءة المناهج

ضحايا تفجير مبنى المرور في شارع الوشم سواء منهم من استشهد أو أصيب أو روع أو تعرض لخسائر مادية، من هم؟! نحن نعلم الجواب، ومن خطط لاستهدافهم يعرف، ومن قدم حياته ليفجرهم بها كان يعرف ثم تعرض لشيء ما من التلاعب بالصورة في ذهنه وتفكيره وذاكرته، تلاعب استغل وبخبث مرحلته السنية وقصر تجربته في الحياة وسهولة تشكيل تفكيره ورؤيته، خاصة في ظل ظروف وإرهاصات وضغوط وظلم تتعرض له الأمة أجمع وربما كانت تتعرض له أسرة ذلك الذي حول من إنسان عادي إلى إنسان آلي مبرمج.
الدليل يكمن في إجابة من هم ضحايا التفجير في شارع الوشم؟!

إنهم مسلمون، عرب، مواطنون فرغوا من أداء صلاة الظهر، ومنهم من بقي في المسجد لأداء السنة ومنهم من بقي يتلو آيات من الذكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومنهم من خرج بعد أن تلى الأدعية المستحبة بعد الصلاة وآية الكرسي ورجع إلى مكتبه ليحلل راتبه حتى موعد بدء الانصراف الثانية والربع ظهراً.

معظمهم كما هي العادة خشي أن تدركه صلاة العصر قبل أن يصل إلى منزله فتوضأ وتطهر وردد الشهادة.

منهم من كان عيناً ساهرة ليأمن ذلك المفجر منذ أن كان يحبو بين أحضان أمه وأبيه اللذين عصاهما وهجرهما وقال لهما أكثر من “أف” بسبب ما أحدث فيه من تغيير عجيب يصعب على الجميع تخيله!!

من الضحايا من كان يعول عشرات الأيتام ويصرف على عشرات العاجزين والقصر ويتصدق على عشرات المساكين.

من الضحايا مدني جاء ليعقب على مجموعة إجراءات مرورية ليحصل على قوت يومه وعياله ووالديه ومنهم آخر كان يستعد لإلقاء محاضرة دعوية إسلامية وإرشاد ونصح.

منهم مؤذن يصدح بذكر الله وإمام مسجد يمضي جل وقته في الصلاة والعبادة والنسك، يدعو المسلمين بالأمن في الأوطان وعلى أعدائهم يقنت ويدعو عليهم بالدمار ورد الكيد في النحر.

ليس بين هؤلاء معقب أمريكي جاء لتجديد رخصة عملائه ولا خبير أمريكي في علم تصوير رخص القيادة ولا كاتب (معاريض) بريطاني يفترش الرصيف لترجمة طلب رخصة القيادة.

مخطئ، في نظري، من يقول بأن ثمة “تحول” في طريقة وأهداف الإرهابيين، فهي لم تتحول قط لكنها أولويات جرى ترتيبها حسب عنصر المفاجأة والفرص والثغرات المتاحة ومحاولة الضرب على وتر الدين الذي هو من كل ما يحدث براء!!.

المبادئ المبنية على معتقدات دينية حتى لو كانت خاطئة أو مثار جدل وموضع خلاف لا تتغير ولا تتنازل ولا تبيح اليوم ما حرمته بالأمس حتى ولو كانت مفاهيم مبنية على فتاوى خاطئة!! إلا على افتراض واحد نسبته ضئيلة وهو أن عامل صغر السن لعب دوره عندما تخلى أصحاب الفتاوى التكفيرية على أولئك الأحداث فكرياً والقصر ذهنياً وتم عزلهم عنهم وعزلهم عن المجتمع والتضييق عليهم فأصبحوا يفتون لأنفسهم بجواز تغيير أهدافهم بل والتفجير لمجرد إحداث انتحار مدو ليس فيه الجهاد الذي صور لهم وغرروا به، وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً فعلى من أفتاهم أول مرة أن يدرك حجم العبث الذي مارسه مع قاصرين فكرياً أوقفهم في منتصف طريق تحيط به الهاوية من كل مكان.

ولأننا أجبنا سلفاً على السؤال الأهم وهو من هم ضحايا تفجير شارع الوشم فإن علينا أن نعترف ببراءة المناهج مما حدث، تلك المناهج التي درسناها جميعاً ونجحنا فيها جميعاً وحفظناها عن ظهر قلب لا علاقة لأي نص فيها باستباحة دم أي من ضحايا تفجير مبنى المرور لا بالفهم ولا بسوء الفهم.

إن المناهج كانت ضحية ترتيب الأولويات على جدول الإرهابيين وأن تحميل مناهجنا مسؤولية ما حدث ويحدث خاصة من قبل الإعلام الأمريكي انما يعكس سطحية واستعجال الأمريكيين وتسرعهم وهو ما يبدو جلياً في ما تكشفت عنه تحقيقات اللجنة المختصة بأحداث 11سبتمبر واعتراف عدد من مسؤولي الأمن القومي والاستخبارات بسوء التقدير والتفسير الذي يعاني منه الأمريكيون. هذا وبطبيعة الحال إضافة إلى تحينهم الفرص لتحميل الإسلام ومناهجه مسؤولية أي حادث أو فعل هو منه براء.

اترك رد