من أكثر الأمور صعوبة على نفسي أن أتناول خطوة فيها قدر من الإيجابية أو التقدم إلى الأمام وأستخدمها استشهاداً بوجود سلبية، لأننا لا نهدف إلى النقد فقط أو تصيد الأخطاء حتى في الخطوات الإيجابية، لكن ماذا نفعل إذا كان تقديم الخطوة الإيجابية يتم وفق مفهوم خاطىء خطير خاصة وأنها تأتي من جهة ذات مسؤولية كبيرة ويفترض أن تكون مرجعاً في ترسيخ المفاهيم الصحيحة، لكنها ليست كذلك.
وزارة التربية والتعليم تصرح بلسان مساعد المدير العام للتربية والتعليم بمنطقة الرياض للشؤون الإدارية والمالية الأستاذ عبدالمحسن الثابت بأن تعليم الرياض يؤكد على جميع المعاهد والمدارس الأهلية بضرورة إشغال الوظائف الإدارية والمالية والخدمات والسائقين والحراس بمواطنين سعوديين والالتزام بتطبيق ذلك بنسبة تشغيل 100%.
إلى هنا والأمر لا بأس به وإن كان المفترض أن يشمل التأكيد على الوظائف التعليمية لأهميتها وتوفر الكوادر الوطنية الباحثة عن فرص عمل في هذا المجال، لكن المفهوم الخاطىء الأول الغريب من مصدر ينتمي لسياسة التعليم يبرز عندما يقول المصدر أن هذا يأتي في إطار التعاون مع وزارة العمل في سبيل تحقيق سعودة ملموسة للقطاع التعليمي الأهلي وسبب الغرابة في نظري هو أن المفترض أن القرار يأتي لوجود حاجة وطنية وقناعة بضرورة السعودة وليس ضمن أطر التعاون أو المنة على وزارة العمل لأن السعودة هدف وطني فصلت وزارة العمل من أجله وليست خدمة تقدم لوزارة أو للتعاون مع وزارة، ثم إن السعودة بذلك الشكل الذي اقتصر على وظائف إدارية معظمها دنيا ليس سعودة ملموسة في القطاع التعليمي الأهلي لأنها لم تشمل الوظائف التعليمية.
الأغرب من هذا وذاك ما ورد من أن الوظائف والمهن اقتصرت على وظائف إدارية ومالية وسائقين لأن هذه الوظائف كما ذكر المصدر لا تتطلب مؤهلات علمية عالية ويتوفر من يمكنه الالتزام بها من السعوديين، وهنا تأتي الطامة الكبرى أو قمة المفاهيم الغريبة الخاطئة وهي الاستمرار في التقليل من مؤهلات وإمكانات السعوديين في حين أننا أكثر بلد في المنطقة الشرق الأوسطية المؤهل شعبها قياساً بنسبة حملة المؤهلات العليا والطبية والصحية والتعليمية إلى عدد السكان ومع ذلك تصورنا التربية والتعليم على أننا بلد يستطيع أبناؤه شغل وظائف سائقين وحراس وخلافه!!.
لا تريد الوزارة بكافة مسؤوليها بسبب سياستها العليا أن تعترف بأنها قاسية على مجتمع لينة على ملاك المدارس ولا تريد أن تقول إنها اختارت الوظائف التي لا تستلزم سوى رواتب زهيدة بل ليس لها سلم رواتب معروف يمكن المقارنة به وأنها لا تريد أن تحرج المدارس والمعاهد الأهلية بسعودة وظائف التعليم لأن ذلك قد يؤثر على أرباح تلك المدارس مقارنة بتوظيف متعاقد “أقل تأهيلاً” بربع أو خمس الأجر المتوقع للسعودي، والمؤسف أن تعمد الوزارة إلى تبرير هذا القرار بالتشكيك في قدرات وتأهيل أبناء الوطن الذي كافح وعمل بكل إمكاناته ليخرج أبرز المعلمين الأكفاء والأطباء والعلماء والمهندسين وأساتذة الجامعات.