عندما كنت أقرأ أخباراً صحفية غريبة جداً مثل “الحاسب الآلي يطالب امرأة عجوزاً بتسديد مخالفة سير وهي بطبيعة الحال لا تقود وليس لديها سيارة ولا سائق” كنت أعتبر تلك الأخبار من المبالغات الصحفية على وزن “رجل يعض كلباً”.
ولكن عندما اطلعت عن كثب على شكوى “رنا” بكل ما تحمله من مستندات وإثباتات وقبل هذا وذاك تحمل الظلم عدة سنوات دون وجود قناة للشكوى واسترداد الحقوق علمت أن ما يقال عن أخطاء الحاسب الآلي قابل للتصديق مهما بلغ من الغرابة والندرة والطرافة.
الحاسب الآلي ليس هو المسؤول عن الخطأ فالمسؤولية تقع على من يُدخل نظاماً لا يحتوي خطوات تدقيق وتأكيد ويدعمه بالمراجعة، وللمرور في شركة الاتصالات عبرة ومثال يُتجنب ولا يحتذى في ارتكاب الكثير من الأخطاء بحق المشتركين بحجة الحاسب الآلي من فصل خدمة عن مشترك لعدم تسديد آخر، أو مطالبة من لا يحمل جوالاً بملايين الريالات كفاتورة لجوال وكل ذلك تزعم أنه بحجة ادخال التقنية الحديثة بينما التقنية مما يحدث براء فالتكنولوجيا تخدم من يخدمها وتفيد من يعرف كيف يستفيد منها ولذلك فإن الحاسب الآلي لا يخطئ في رواتب هوامير الاتصالات ولا بدلاتهم وأسهمهم وانتداباتهم ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة وعدد جلساتهم ولو أخطأ “لا سمح الله” لتم تغيير نظام الحاسب وموظفيه ومعداته وأجهزته على حساب المساهمين.
“رنا” ليست فتاة في الخدر كما قد يتخيلها بعض الفضوليين والهائمين في الأحلام الوردية.. رنا هو الاسم الثالث للأخ محمد نعيم باكستاني يقطر عرقاً ويفوح برائحة الكد والكسب الحلال “أعشق رائحة الكادحين إذا امتزجت بفوح صبر على ظلم مثلما أكره رائحة بخر فم وصولي متسلق متملق ذليل”.
لا أدري كيف عرف محمد نعيم رنا أن المعاناة في بلادنا لا تزول إلا عند طرحها صحفياً!! ولكنه طلب مني طرح معاناته المتكررة التي أجهدت دخله الشهري الزهيد كعامل يتصبب عرقاً كي يجمع 1200ريال شهرياً يأكل منها بتقتير ثم يدفع للبنوك نسبة منها لتحولها إلى عائلته في بلاده لكن المرور لم يتركه وشأنه ففي كل مرة يحاول فيها السفر أو تجديد الإقامة أو إصدار تأشيرة خروج وعودة يفاجأ بأن الحاسب الآلي سجل بحقه مخالفات مرورية تارة في جدة وأخرى في حائل وثالثة في الرياض وكل مخالفة لا تقل عن 300ريال (ربع الراتب)، بل انه سدد في أقل من سبعة أشهر 600ريال مخالفات مرور مع أنه لا يملك سيارة ولا رخصة قيادة ولا يعرف القيادة ولم يسبق أن ركب سيارة في مقعد السائق حتى والسيارة واقفة!!
رنا سبق أن فقد إقامته منذ حوالي أربع سنوات وأعلن عن فقدانها على الفور وحصل على رخصة إقامة بدل فاقد ومنذ ذلك الحين وهو يسدد مخالفات ارتكبها غيره!! فهل المشكلة في الحاسب أم هي في توافق رقم رخصة سير أحدهم مع رقم رخصة إقامته أم أن أحداً وجد إقامته المفقودة وأصبح يستخدمها للأغراض غير المشرفة وهذا خطير إذ يفترض أن يميز رقم الإقامة بدل فاقد عن المفقودة حتى لا يساء استخدامها.
المهم أن ما يدفعه محمد رنا من مخالفات مرور وهو لا يقود سيارة تتحمله ذمة كل من له علاقة بحل مشكلته فهل يتفاعل مدير عام المرور مع وضع رنا ويرد له حقوقه؟!