يكون القرار انفعالياً مرتجلاً إذا بُني على حادثة بعينها أو استند على محاربة سلوك البعض على حساب الكل ولم يتم بناؤه على دراسة احصائية محايدة تهدف للصالح العام بعيداً عن دخول عنصر الرأي الواحد أو حتى الآراء المتعددة لهدف واحد والتي لها طابع الأهواء الشخصية أو أحادية الفكر أو “الايديولوجية” الواحدة حتى لو كان خلفها مجموعة.
وليس أدل على أن القرار انفعالي غير مدروس من صعوبة تطبيقه على الجميع أو على أصل المشكلة المستهدفة، فدائماً ما يصاحب القرارات الانفعالية، غير المدروسة استحالة في التطبيق لأن تطبيقها لم يدرس أصلاً مثلما ان اتخاذ القرار لم يكن مدروساً في أساسه.
وميزة الدراسة المحايدة الشاملة انها تلم بكل جوانب الموضوع: بسلبياته وإيجابياته وإمكانية معالجته وآليتها وإمكانية تنفيذها.
“إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة” وهو الخالق عزت قدرته، ووسع علمه وحكمته كل شيء سبحانه، فدعونا ونحن الخلق محدودو العلم والحكمة لا نستحي أن نضرب مثلاً بقرار منع الجوال ذي أداة التصوير “الجوال بكاميرا” أو بصورة أدق تنفيذ واجراء المنع، الذي لا يتمتع بكثير من الحكمة أو حد أدنى من المنطقية ولا قدر من الشمولية.
تحدثنا في السابق وتحدث الكثيرون عن أن الكاميرا في الجوال ليست سوى أداة موجودة في القلم والولاعة وسلسال الزينة فمنع فعل التصوير أو إساءة استخدام أداة التصوير لا تتم بمنع الجوال الذي يحملها ولكن بمعاقبة مرتكب فعل التصوير غير المباح عقوبة رادعة قاسية وهذا لا يحدث بالدرجة المطلوبة وقد لا يحدث مطلقاً أو هو غير مسنود بنص واضح ورادع في الجزاءات والعقوبات وهذا وربي عين الخطأ ومصدر الخطر.
أما أسلوب منع الجوال بكاميرا ومصادرته فهو الشائع وهو الذي يطبق بطريقة غير حضارية وغير عادلة، تتلخص في تكسير جوال المستخدم وترك بضاعة البائع والمروج في أرفف زجاجية شفافة وتحت ضوء ساطع.
إن في تكسير ممتلك شخصي لمستخدم لم يستخدمه في منكر استفزازاً لا تحمد عقباه قد يولد لدى الشباب والشابات كرهاً لمن نفذ فعل التكسير خاصة في ظل السماح ببيعه علانية، ولأنني أحب رجال الأمن ومنسوبي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأريد من غيري ان يستمر في حبهم لما فيه خير البلاد والعباد وأن يدعمهم ويشجعهم ويساندهم بل ويعمل معهم لإيمانه الراسخ بأسس عملهم ونبل دورهم فإنني أنصح بأن لا يكون فعل التكسير والمصادرة والاستفزاز من أدوارهم، بل ان لا يكون أبداً وأن نركز على معاقبة من يسيء استخدام هذه الآلة، دون أن نمنعها، وأن نتشدد في معاقبة من يرتكب الفعل المشين، لا أن نحمل وازرة وزر أخرى، فالمذنب بطبعه لا يكره من يعاقبه لأنه يشعر في قرارة نفسه بعظم جرمه فيكره نفسه لا من عاقبه، بينما البريء يكبر في نفسه مصادرة ما يملك دون ذنب خاصة إذا كان يملكه غيره وبيعه مباح.
وغني عن القول ان إعلان شركتي الاتصالات الحالية والقادمة عن خدمة الاتصال المرئي التي لا تتم إلا بجوال الكاميرا تؤكد اننا نعيش ازدواجية منع الأداة والسماح للتقنية وهذا يزيد من “شرهة” شاب صودر جهازه ولا نقول امنعوا التقنية ولكن امنعوا سوء استخدامها، وأؤكد على عدم استخدام رجال الأمن ورجال الحسبة في دور غير مقنع فنحن في أمس الحاجة إلى تحبيب النشء والشباب والشياب في هذه المهن ومن يمارسها والجهات التي ينتمون إليها. والله أعلم.