حصانة العلم الشرعي

لابد لنا أن نسجل ملاحظاتنا الشخصية بتجرد تام علنا نسهم في لفت النظر لسلوك قد يغيب عن ذهن غيرنا عطفاً على أن ما تلاحظه قد يفوت على غيرك والعكس صحيح.
شخصياً لاحظت أن البعض – وليس الكل بطبيعة الحال – مهما بلغ من الثقافة أو المركز المالي أو المركز الوظيفي أو الدرجة العلمية إذا أراد أن يداخل في موضوع طبي مثلاً في مجلس يجمعه بالأطباء فإنه يبدأ وينتهي بعبارة جد مؤدبة يكرر فيها اعتذاره للأطباء بتدخله في مجال تخصصهم الذي يجهله، ويعيد ويكرر إنني لا أفهم في مجال الطب ولكنني سمعت أو قرأت أن المرض الفلاني يمكن معالجته بالطريقة الفلانية أو أن الدواء العلاني ينفع لعلاج حالة معينة.

نفس الشخص عندما يكون الحديث عن شأن يختص بالعلم الشرعي فإنه يناقش فيه بإلحاح ودون تلك العبارة الاعتذارية رغم أن خلفيته في العلم الشرعي ضئيلة جداً قياساً بعمق هذا العلم وقد لا تعدو ما تعلمه من مبادئ في مراحل التعليم العام أو ما مر عليه سماعاً أو بقراءة عابرة، وهذا التعدي على العلم الشرعي غريب وغير مبرر.

ورغم أنني أنتمي إلى فرع متين من فروع العلوم الصحية هو الصيدلة وهو الأقرب للفرع الآخر علم الطب فإنني أرى أن العلم الشرعي هو الأجدر بالحصانة بأضعاف مضاعفة آلاف المرات إذا قورن بالعلوم الصحية ومنها الطب فالعلوم الصحية متغيرة عرضة للتطوير والتحديث وربما التغيير المعاكس لما كانت عليه لأن بعضها وإن قام على حقائق علمية فإن جلها قائم على نظريات.. أما العلم الشرعي فثابت منبعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن يريد أن يجادل علماءه لابد أن يمر بما مروا به من تعمق في القرآن الكريم وحفظ بعضهم له عن ظهر قلب وإلمام بتفسيره الصحيح الراسخ ودراسة عميقة للسنة النبوية المطهرة وإبحار طويل في علم الحديث ورواته يميز الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ومعرفة المسائل التي أجمع عليها أهل العلم وتلك التي كانت موضع خلاف.

لابد لكل من يريد أن يخوض في أحد الأمور ذات العلاقة بالعلم الشرعي أو يفتي فيها بما يراه أن يدرس كل ما ذكر دراسة متأنية، وإذا فعل، فأجزم أنه سيتحول من التشكيك في حكم ما إلى الدفاع عنه ومن التهور إلى العقلانية.

محصلة القول أنني لم أجد لملاحظتي تلك والمتمثلة في التأدب عند الخوض في حديث عن أمر طبي والتجرؤ غير المحدود عندما يكون الحديث عن شأن شرعي أقول لم أجد لها سبباً يبررها ولا تفسيراً لهذا المسلك المتناقض في التأدب مع تخصص والجرأة على آخر ولعله أحد أسرار النفس البشرية الأمارة بالسوء وواجبنا يقتضي أن لا نتيح لها ذلك وأن نرسخ مفهوم حصانة العلم الشرعي في كل المناسبات إذا أردنا أن نحصن مجتمعنا شباباً وشيباً، نساءً ورجالاً، أطفالاً وبالغين.

اترك رد