نجح الإعلام السعودي بكافة وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة في التعامل مع ماشهده الوطن من محنة الإرهاب وكان أساس النجاح في نظري عدة عوامل منها:
التعامل بمهنية عالية مع النتائج المأساوية لما حدث من إفساد في الأرض وتخويف للآمنين وتغطية أخبار الأعمال الإرهابية والتعامل معها حيّاً على الهواء ونقل ما حدث ويحدث نقلاً مباشراً بكل ما فيه من مآسٍ ومفاخر، مآسٍ للضحايا ومفاخر لرجال الأمن ولعل قناة “الإخبارية” الاوفر حظاً في التغطية الحية حيث أبدت مهنية رفيعة لشباب جدد في تواجدهم امام “الكاميرا” وخلف الميكرفون لكنهم كبار في طموحهم وقدراتهم ومخزونهم اللغوي وثقتهم في انفسهم ورزانتهم في الانتقال المباشر الى المشاهد دون حواجز او “مونتاج” او “رقابة” تخفف عنهم حمل المسؤولية “وكم هي كبيرة مسؤولية الكلمة المباشرة والصورة المباشرة فقد اسقطت امبراطوريات وليس خريج إعلام جديد في بداية طموحه وتجربته”.
الشباب السعودي في “الاخبارية” دخلوا الامتحان من أصعب أبوابه وأخطرها وفي أكثر مواده حساسية حيث لا”دور ثاني” ولا إعادة امتحان، إما نجاح في أول الطريق أو عودة من أوله أيضاً.
العامل الثاني لنجاح الإعلام السعودي في التعامل مع هذه المحنة – ولا أقول تلك المحنة لأنها لم تنته بعد – كانت الريادة فيه للقناة الاولى عندما فتحت أبواب الحوار والتوعية على مصراعيه وجندت طاقتها لمناقشة قضية الإرهاب على بساط كبير واستقطبت نخب المجتمع في العلم الشرعي والفكر والإعلام والثقافة والمؤسسات الاكاديمية.
القناة الثانية والقناة الرياضية لعبتا ايضاً دوراً كبيراً استغلت فيه كل واحدة منهما طابعها الخاص والشريحة التي تتوجه لها في الغالب.
إذاعة القرآن الكريم وإذاعة الرياض والبرنامج الثاني بل الإعلام المسموع بصفته العامة رغم محدودية “فيزيائيته” وهي مخاطبة القناة السمعية كان في قمة لياقته وتركيزه علماً انه السابق بين كل أشكال الإعلام في طرحه الشفاف والجريء منذ زمن وفي كل مناسبة.
الاعلام المقروء لايستغرب عليه ما قدم فهو ليس بالجديد في معايشته للأحداث بصراحة وشفافية ونقد للواقع بكل صوره بكل ما اوتي من امكانيات وقدرات خبيرة وتعاملها قديم مع مناسبات كثيرة كان دائماً خلالها (الإعلام الحر بعقل) وهي خاصية فريدة في هذا الوطن فكثيراً ما تقترن زيادة هامش الحرية بشيء من التهور في دول كثيرة تدفع أحياناً ثمن تهور إعلامها المكتوب!!.
بقي أن نقول خلاصة القول وهي أن ذك النجاح الإعلامي الكبير يجب أن لايقع ضحية للشعور الخاطئ بانتهاء المهمة أو قصر النفس أو مايسمى باستراحة المحارب لأن المهمة لم تنته بعد فنحن أمام معالجة فكر وليس حادث انتهى. إن علينا أن نستمر بنفس القوة ونفس المهنية ونفس الرزانة لأن طريق التوعية طويل جداً بل ولانهاية له.
يجب أن لانكون إعلامَ حدثٍ وحسب لأن دورنا لم يكن مجرد تغطية الحدث ولكن منع تكراره.
حذار من إعلام الجرعة الواحدة فنحن أمام مرض عضال يحتاج إلى الاستمرار على مضاداته الفكرية.