للشعب فقط

عايشت أغلب عمليات فصل التوأم السيامي التي تمت في المملكة بحكم عملي في الشؤون الصحية بالحرس الوطني إحدى قلاع الرحمة الكثيرة في مملكة الإنسانية، ولكن شعوري بالرغبة في البكاء كان على أشده يوم الاثنين الماضي يوم عملية فصل التوأم البولندي، ليس لأن تعاطفي مع الطفلين البولنديين كان أكبر، فنحن في مملكة الحب ننظر لكافة الأطفال نظرة واحدة منبعها دين الرحمة الإسلام الحنيف لكنني شعرت بالرغبة في البكاء الممزوج بالفرح عندما عشنا عملاً جماعياً شاملاً يحدو كلاّ منا فيه حبّ هذا الوطن والرغبة الجامحة في دحر الانطباع المغلوط الذي يحاول أعداء كثيرون قريبون وبعيدون ترسيخه.
كنا في أمس الحاجة للانتقال من أجواء العمل المفرد الشاذ المسيء للوطن إلى روح العمل الجماعي الذي يعكس حقيقتنا وطبيعتنا وتربيتنا الدينية والوطنية وجاء فصل التوأم البولندي ليعكس هذه الروح الرائعة فجاء معه بكاء الفرح.

رغم برودة الجو كان الجميع دون استنثاء يعملون بسخونة والهدف تفريج كربة طفلتين بريئتين وإنصاف وطن.

في اللجنة الرئيسية غير الطبية اتفقنا جميعاً أن تحمل العملية رسالة للعالم، نحن لانحتاجها ولكنهم يحتاجون معرفتها عنا فتخيلت واقع وطني الحبيب فوجدت أن كثيراً من العبارات تصفه على حقيقتة منها السعودية مملكة الإنسانية، والسعودية مملكة الحب والسعودية إنسانية الأفعال، والسعودية الرحمة سفيرها للمعمورة ولأننا لابد أن نختار واحدة اخترنا «السعودية مملكة الإنسانية».

الإعلام السعودي والإعلام الغربي «المنصف» والإعلام العالمي المحايد كان لديه نفس شعورنا.

القناة الأولى للتلفزيون السعودي كانت حاضرة منذ الصباح الباكر لتنقل الإنجاز على الهواء مباشرة وتتفرغ لهذا النقل بروح عمل تنبض بحب الوطن.

«الإخبارية» كانت مهنية رائعة كعادتها فقد تابعت العملية على محورين هامين، رصد تاريخي لعمليات فصل التوائم الثمانية السابقة واتصال مباشر مستمر مع والديهم في مصر والسودان وماليزيا والسعودية والفلبين ونقل حي للعملية، في عمل إعلامي حي ينبض بجهد جبار وشعور وطني يستحق بكاء الفرح.

الإعلام المكتوب واكب الإنجاز قبل وأثناء وبعد حضور التوأم وعج المركز الإعلامي بشباب «يحترق» حباً للوطن و«ينفجر» طاقات إعلامية تفخر بمملكة الرحمة.

قنوات دبي والكويت والعربية والـ إم بي سي وراديو وتلفزيون العرب كانت جميعاً حاضرة حضوراً يتناسب مع أهمية الحدث بمراسليها ومراسلاتها أو نقلاً عن التلفزيون السعودي.

أشففت كثيراً على حال قناة «الجزيرة» من قطر فرغم أنها تجيد التظاهر بالحيادية فقد صعب عليها أن تقهر شعور العدائية وتجامل متابعيها بنقل الخبر كونه، على أقل تقدير، حدثاً إنسانياً يعنى بطفلين بريئين بدلاً من أن تتجاهل الخبر تماماً رغم مافيه من إحياء لنفس برئية وكأن القناة تخصصت في أخبار قتل النفس.

كان يمكن «للجزيرة» أن تتحامل على كرهها (غير المبرر) لهذا البلد وشعبه وتشير للخبر ولو بطريقة تم في بلد (بعض الناس) إجراء عملية إنسانية لفصل توأم سيامي، وهي القناة نفسها التي انقطعت لنقل حي ومتواصل لعملية فصل التوأم الإيراني التي انتهت بوفاتهما!! وفشل طبي ذريع.

عندما يختص الأمر بمصلحة المملكة تشعر أن هذه القناة ناطقة بالعبرية.

لقد استطاع التوأم البولندي أن يكشف «لا أقول الأقنعة» بل الوجوه القبيحة الممعنة في القبح وعسى أن يكون في ذلك خير لتصحيح المفهوم المغلوط لدى قلة من المنخدعين بأد عياء الحياد، فالحياد يكون في السراء والضراء معاً.

لاعلينا فقد تعودنا على أشكال من هذا الحسد للنعم التي نعيشها وهي كثيرة ولذا فحسادها كثر. وعلينا الأن ونحن مملكة الإنسانية وأرض الحب للجميع أن ننتج فيلماً يرصد مواقفنا العديدة ومنها عمليات فصل التوأم التي تميزنا بها عالمياً وفي المركز الأول وأكرر نرصد أعمالنا ولا أقول نوظفها لأنه تذكير بأعمال حقيقية ولمسات إنسانية بحتة، وهذا الفلم الوثائقي غاية في الأهمية ويفترض ان نسعى لبثه في كافة أنحاء العالم لأننا نوجهه للشعوب وليس الحكومات والمجموعات التي تعرفنا حق المعرفة وتتجاهلنا قمة التجاهل.

لقد نجحت أمريكا في توظيف الإعلام لحروبها وعدوانها وقتلها للأنفس لخدمة دعايتها للديمقراطية والإنسانية رغم التناقض بين القتل والإنسانية والتهجير والديموقراطية فمن باب أولى نذكر نحن إعلامياً بمواقفنا الإنسانية الحقيقية وننشرها للشعوب فقط.

تحضرني هنا كلمة رائعة للسفير البولندي في المملكة حيث قال: ان السفراء الدبلوماسيين يتغيرون مع الزمن ولكن هؤلاء التوائم الذين فصلوا في المملكة سيبقون سفراء لها في بلدانهم إلى الأبد!!.

اترك رد