Site icon محمد سليمان الأحيدب

السجون تكشف تخاذل الجامعات

في محاضرته التي القاها في كلية الآداب بجامعة الملك سعود تحت عنوان «دور الجامعات في توعية المجتمع تجاه المساجين» وضح على مدير عام السجون في المملكة اللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي أنه يعاني كمسؤول عن السجن والسجناء من عدم تجاوب الجامعات ممثلة في أعضاء هيئة التدريس فيها نحو القيام بدورهم في إلقاء المحاضرات على السجناء أو توعية المجتمع لقبول المفرج عنهم وحمايتهم من العودة لطريق الضياع.
اللواء قالها صريحة وبألم وقال إنه خاطب التعليم العالي بهذا الخصوص بل إن بعضهم يقطع على نفسه وعداً بالقاء المحاضرة ويرسلها مكتوبة في خمس ورقات ثم لا يحضر لإلقائها وهذا أدهى وأمر إذ يعكس انعدام الالتزام الأدبي لدى من يفترض أنهم القدوة أو النخبة واستهتارهم بدورهم نحو السجناء!!، وللأسف الشديد أن حجة الجامعات أو أعضاء هيئة التدريس جاءت مخجلة على لسان أحدهم «عضو هيئة تدريس» فهم يريدون مكافآت وحوافز نظير تلك المحاضرات.

نفس هؤلاء عندما يدعوهم التلفزيون أو إحدى الصحف لندوة أو حوار فإنهم لا يترددون مطلقاً وعلى استعداد أن يدفعوا للمشاركة بل إنهم يدفعون فعلاً ثمناً باهظاً لمشلح مميز وغترة أنيقة ويحضرون قبل الموعد بساعة وتزيد!! أي أن الوقت ليس المشكلة إنما المشكلة في الإخلاص النقي من كل مصلحة ذاتية والذي يفترض أن يكون جزءاً من شخصيتنا ولنا في الدعاة قدوة حسنة حيث يجندون وقتهم جله أو كله لإعطاء محاضرات للسجناء والطلاب ونزلاء دور الرعاية وغيرهم.

إن من صور التناقض الغريبة في مجتمعنا وجامعاتنا أن أساتذتنا يحاضرون خارجياً في أي بلاد من المعمورة دون مقابل غير ذلك الذي تدفعه لهم الدولة في شكل انتداب مجز وتذاكر درجة أولى وسكن وخلافه بينما لا تتكلف الدولة المضيفة دولاراً واحداً بل إنهم يدفعون رسوم التسجيل في المناسبة العلمية. وفي الوقت ذاته فإننا حينما نعقد مؤتمراً أو ندوة في جامعاتنا أو مؤسساتنا العلمية والطبية ندفع للمتحدث ونتكفل بتكاليف إقامته في أغلى الفنادق وبتذاكره وتنقلاته ولعلنا البلد الوحيد المتقدم علمياً وطبياً الذي يفعل ذلك.

هذه الازدواجية الغريبة على ثلاثة محاور متناقضة (مطالبة أستاذ الجامعة بمكافأة عندما يحاضر في أبناء مجتمعه ومنهم السجناء، وتكفل الدولة بانتدابه وتكاليفه كي يتعلم أو يحاضر في مجتمع آخر، ثم دفعنا تكاليف من يحاضر لدينا ببذخ زائد) أقول إن هذه الازدواجية تحتاج إلى وقفة معالجة على مستوى وطني فمع احترامي لأساتذتنا في جامعاتنا فإن جشعهم في غير محله وأصبحوا يريدون الكسب على حساب المجتمع بل على حساب أضعف فئاته إما في شكل بيع مذكرات الزامية على الطلاب أو استغلال حتى المساجين لاشباع رغبات كسب غير مشروع.

الذي كنا نعرفه ونحن طلاب ثم معيدون ثم محاضرون أن الجامعة تتدرج تصاعدياً في انفتاحها على المجتمع وأن هذا الانفتاح أحد أهم أهداف مديريها ورؤساء مجالسها في ذلك الزمن القديم الجميل، أما اليوم فلعل القائمون على الجامعات من الضعف بحيث فقدوا السيطرة حتى على سياسة الجامعة ونبل أهدافها وإلا فإن مدير كل جامعة خاصة جامعة الملك سعود يعرف ترف أعضاء التدريس فيها من حيث قلة النصاب التدريسي مقارنة بالمتعاقدين سابقاً وحالياً و«بحبوحة» الوقت الذي يمضونه في متابعة انشطتهم الشخصية وتجارتهم وأسهمهم مقارنة بغيرهم من الموظفين الذين يوقعون دخولاً صباحياً مبكراً ومغادرة محددة بالثانية والنصف بعد الظهر بصفة يومية دون فراغ لأعمال خاصة. وحري بمدير الجامعة أن يفرض رد بعض الدين للمجتمع في شكل مثل تلك المحاضرات.

لقد لاحظنا منذ عدة سنوات أن المطالبات المادية لاعضاء هيئة التدريس في الجامعات هي السائدة وأن عطاءهم للمجتمع هو النادر باستثناء ما يحقق لبعضهم الشهرة وعرض نفسه على قطار المناصب إما بالكتابة في الصحف والإحجام عن المجلات العلمية (على عكس ما هو مفترض وسائد في العالم!!) أو الظهور في برامج تلفزيونية في أي مناسبة مما يدل على سعة في الوقت مع أنانية في التوزيع.

إن اشتراط أساتذة الجامعات فرض مكافآت على إدارة السجون أو غيرها مقابل نقلهم جزءاً مما تعلموه إلى شريحة يهم المجتمع إصلاحها هو قمة الانغلاق على المجتمع وهو سلوك تتحمله وزارة التعليم العالي ومديرو الجامعات وليس أدل على هذا التقهقر مما لمح إليه اللواء الحارثي عند قوله إن السجين مواطن له حقوقه كاملة من كافة قطاعات الدولة واشادته بالتعاون الدائم من وزارة التربية والتعليم والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ووزارة الثقافة والإعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة.

هذا التعداد المفصل للجهات المتعاونة فيه إشارة واضحة لحجم العتب والإحباط وخيبة الأمل في الجامعات التي يفترض أنها السابقة للتعاون الدائم.

Exit mobile version