سجائر وطنية

البعض يتعامل مع الموظف المنتج أو المبدع بمنتهى الجحود والتنكر، تماماً مثل ذلك الذي يحتضن سيجارة بين أصابعه ويشعل رأسها لتحترق ثم يقبل مؤخرتها بين الفنية والأخرى ويمتص من السيجارة بشراهة ما يعتقد أنه يدخل إلى رأسه النشوة ويستمتع باحتراق السيجارة وبنفثه لدخانها وفجأة وبعد أن يقضي منها وطراً يطرحها أرضاً وينظر إليها نظرة كبرياء ثم يدوسها بقدمه ويمعن في فركها على الأرض.
كان ذلك تشبيه استعارة فقط أعتقد أنه القريب جداً لتمثيل ما يحدث مع الفارق الكبير بين الموظف المنتج والسيجارة من حيث النفع والكرامة ومردود الاحتراق.

أعتقد جازماً أن تعامل بعض المسؤولين من وزراء ووكلاء وزارة ومديرين عامين ومديرين تنفيذيين مع الموظف المبدع المنتج ذي الخصائص الفريدة بهذه الصورة هو أحد أهم أسباب تدني الإنتاجية وشح الابداع في دوائرنا الحكومية.

الأخطر من ذلك أن البعض يستغل جهد الموظف المتميز لخدمته شخصيا وعندما يتحقق مأربه ويصل إلى هدفه يرمي به بأسلوب رمي عقب السيجارة فتحدث الصدمة وتخسر موظفا متميزا مبدعا مخلصا ومنتجا دون أن تتحقق الاستفادة منه للمؤسسة الحكومية ويؤثر ما آل اليه من مصير جاحد على بقية زملائه فيصابون بالاحباط والعزوف عن الاخلاص للعمل وبذل مزيد من الجهد وهذا خطير.

تنقصنا ثقافة إعطاء كل ذي حق حقه والامتنان والتقدير للموظف المبدع المتميز ويصعب على أنفسنا للأسف أن نقول بثقة إن هذا المنتج من جهد ذلك الموظف.

كتبت عدة مرات عن المديرين الذين يسرقون إنتاج موظفيهم وينسبونه إلى أنفسهم دون حياء لا من الموظف ولا من جميع زملائه الذين يعرفون الشاعر الحقيقي للقصيدة.. وقد حظي ذلك المقال بتجاوب كبير عبر البريد الالكتروني والاتصال الهاتفي مما يدل على أن ثمة معاناة كبيرة من هذا السلوك.

وموضوع تنكر المدير لجهود وتفاني الموظف والتعامل معه بطريقة عقب السيجارة «القطف» أعتقد أنه لا يقل في شكل وحجم وانتشار المعاناة لدى الكثيرين.

وأجزم أننا لا يمكن أن نحقق طموحاتنا الكبيرة في الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في مجالات عدة اذا استمر هذا الشعور الذي ينم عن تخلف والمتمثل في أن الرئيس يعتقد أن اعترافه وتسميته لمن هو خلف انجاز حققته ادارته هو انتقاص له أو تقليل من قيمة المدير.

وسيكون الأمر أكثر خطورة إذا مارس المدير سياسة «دوس السيجارة» مع موظفيه لأنه بذلك نسي بسذاجة أن وجود عشرين موظفا في علبة ادارته يختلف عن العشرين سيجارة في علبة الدخان فالإنسان يتعلم من تجارب غيره واذا كان سحب سيجارة لإحراقها يتم بسلاسة حتى آخر واحدة لانعدام المشاعر وعدم توفر صفة الاستفادة من تجارب من سبق فإن الوضع في التعامل مع الموظفين يختلف فالانطباع ينتشر والتعلم يتم بسرعة والنتائج السلبية لكل ذلك يعاني منه المجتمع والوطن.

اترك رد