أكمام البطريق

المسؤولية والامكانات كالثوب والجسد، إذا كانت المسؤولية أكبر من امكانات الشخص أصبح كمن يلبس ثوباً واسعاً طويلاً وافي الأكمام وصاحبنا قصير تحيل ساعديه أشبه بجناحي بطريق.
ليس كل من برع في مجال أو في مرحلة من مراحل المسؤولية قادراً على تحمل المسؤوليات الجسام ونحن أحياناً نستعجل إلباس الثوب الوافي للشخص «الهافي».

من يلبس ثوباً أكبر منه يضطر إلى اخفاء يده اليمنى بل ويخفي اليسرى لأنه لا يريد الظهور إلا لوجهه هو فقط وهذا من أسباب الشعور بالنقص وعدم الثقة، كما أنه وبحكم طول ثوبه يتعثر كثيراً ويسقط غالباً وهو لا يريد لأحد أن يتحدث عن سقطاته أو ينتقدها بل هو لا يريد أن يراها بنفسه لذا فهو يخفي رأسه داخل مساحة الثوب كما يفعل فرخ القطا عندما يريد أن ينام.

والثوب الواسع يخفي الترهلات والنتوءات الجسدية في جسد لابسه لكنه لا يخفي آثارها وما يترتب عليها من بطء في الحركة وانقطاع للنفس واستنجاد بآخر يساعده لكي يجعله يقف على قدميه فإذا وقف دفعه دون شكر وبتنكر واضح ثم لا يلبث أن يعود فيستنجد بالشخص ذاته دون خجل.

المسؤولية أمانة ذات علاقة بمصالح بشر وحياتهم ورفاهيتهم ونفسياتهم وأعصابهم وأبنائهم وبناتهم وصحتهم وأموالهم ووظائفهم فجدير بنا أن نوكلها لمن هو في حجم المسؤولية بل من هو أكبر منها ليفيدها لا ليستفيد منها.

نحن نستعجل أحياناً تقييم الأشخاص بالاستناد على بروزهم في جانب محدود أو في مرحلة ذات نفس قصير أو ننخدع بتلميعهم لأنفسهم أو تلميع الإعلاميين لهذا فإذا ما وضعناهم في المحك الحقيقي وألبسناهم ثوب المسؤولية وجدناه أكبر بكثير من امكاناتهم ووجدوه هم كذلك ودخلنا في مرحلة إخفاء العيوب والتعثر والسقوط تلو الآخر وبدأنا ننظر إليهم بعين الإحباط والمجتمع يترحم على من قبلهم ويترقب من بعدهم.

إننا لا نملك القدرة على تضخيم الأجساد لتملأ الثياب، ولكن لدينا الخيار الثاني الأسهل وهو تقسيم المسؤوليات إلى قطع صغيرة كل منها يشكل ثوباً صغيراً يليق بجسد لابسه ويناسبه ولا «يخب» عليه.

علينا أن لا نحمل الشخص ما لا يطيق من المسؤوليات وإن ادعى القدرة وعلى الأشخاص أن يقتنعوا بمحدودية إمكاناتهم وإذا لم يقتنعوا فإن المصلحة العامة أهم.

اترك رد