لم أستغرب حجم التجاوب مع ما عبرت عنه من قلق شديد بسبب تأثير الانهماك في متابعة سوق الأسهم عبر الانترنت من مكاتب الموظفين على حال الانتاجية في مجتمعنا بعد أن أشغلت السوق نسبة كبيرة من المسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم والموظفين خاصة موظفي المراتب العليا والمستويات الادارية المعنية بإنهاء اجراءات المواطنين فقد أصابتهم متابعة شاشات الأسعار من مكاتبهم بعزوف تام عن متابعة أعمالهم وإنهاء مصالح المواطنين ومعاملاتهم وشؤونهم الصحية والوظيفية.
وعدم الاستغراب من التجاوب الكبير يعود إلى كون المشكلة تمس مصالح الجميع ومعاملات الجميع ومراجعات الجميع ويشهدها الكل في كل مكان يراجعه.
المستغرب حقاً هو أن الأمر يحدث وينتشر في المجتمع وفي كافة دوائره دون أن يحرك أحد ساكناً نحو معالجة وضع سلبي يهدد انتاجية مجتمع بأكمله في حقبة هامة من تاريخه.
لا أحد من الباحثين أو أساتذة الجامعات أجرى دراسة لتأثير «آفة» متابعة الأسهم من المكتب على انتاجية مجتمعنا رغم مرور وقت ليس بالقصير.
لو أجريت رصداً«ببليوجرافياً» للأبحاث التي تمت في هذا الوطن مستخدماً كلمة «آفة» في بحثك فإنك ستجد مئات البحوث تحت مسمى آفة سوسة النخل وآفة تلويث البيئة وآفة الأخبار رواتها لكنك لن تجد شيئاً عن آفة سوسة متابعة الأسهم التي تنخر في مجتمع بأكمله مع أنها أهم من آفة النخيل وتلويث البيئة من حيث حجم وسعة وكمية التأثير وخطورته الاقتصادية.
التجاوب جاء كبيراً من المواطنين الذين يحترقون هماً وتفوح قلوبهم غيرة على هذا الوطن أما البقية فإنهم على ما يبدو منشغلون بمتابعة الأسهم!!
التعليقات على المقال المذكور جاءت عبر موقع المقالات بجريدة «الرياض» وعبر البريد الالكتروني والهاتف وهي تعبر عن أن حجم المعاناة كبير جداً.
أحدهم يؤكد لي أن المعلمين أيضاً منشغلون بمتابعة الأسهم عن حصصهم وطلابهم وموادهم حتى إن بعضهم يتحدث بالجوال أثناء الحصة وأمام الطلاب مع زميل آخر وربما أجرى صفقة بيع والطلاب ينتظرون مواصلة الدرس.
الآخر يقترح أن يتحول التداول إلى فترة المساء فقط ويوقف تماماً أثناء الدوام وهنا أذكر ان دوام المستشفيات لا ينتهي إلا بعد السادسة مساء وهو الآخر من ضحايا الأسهم!!
كنت قد كتبت أن بعض صغار الموظفين يلاحظون انشغال مديرهم عن عمله وعدم تكليفهم بأي أعمال بسبب متابعته لأسهمه وحول هذا الأمر ذكر لي أحدهم أن مديرهم أكثر اهتماماً بعمله!!، فهو يكلفهم هم بمتابعة أسعار أسهم الشركات التي يتعامل مع أسهمها ويطلب منهم الاتصال به في قاعة الاجتماعات لإخباره عن تغير الأسعار ليخرج من الاجتماع ويشتري أو يبيع.
يا جماعة سيطروا على الوضع فقد خرج عن السيطرة ونجم عنه انخفاض حاد في مؤشر الانتاج في وطننا، انهم يتحدثون عن سوق الأسهم في غرف العمليات وإذا خسر أحدهم فقد يخسر المريض أحد أعضائه أو ينزف حجماً من دمه يعادل حجم التداول فلقد انخفضت حتى القيمة الدفترية للإنسان أما سعر مصالحه في السوق فقد بلغ أدنى حد له عند الإغلاق ولم يتدخل أحد لوقف التعامل بهذه الطريقة.
قلت رحم الله طفرة العقار فقد كانت «مبروكة» لم تتعارض مع الأداء الوظيفي أما جنون الأسهم فقد تسبب في خلق مجتمع غير منتج وظيفياً وعدداً من القدوة الوظيفية السيئة وعدم التركيز في العمل أي أنه أخطر على مجتمعنا من جنون البقر!!