الرعيل الأول من رجالات مجتمعنا كان لديهم أسلوبهم الخاص في تقييم الرجال وتصنيفهم عن طريق وزن أفعالهم وتصرفاتهم بميزان فراسة بالغ الدقة عالي الحساسية.
حتى في مجال العمل الوظيفي والمسؤوليات كان لهم قدرة فائقة على تكوين انطباع لا يجانبه الصواب عن المسؤول من حيث قدراته، جرأته أو تردده، سرعة اتخاذه للقرار أو بطئه، قدرته على وزن الأمور من عدمه، ومدى نجاحه في ملء المكان الذي يشغله.
كانت لديهم قدرة عجيبة في اختزال تقييم الرجل في عبارة واحدة ذات معنى ومختصرة جداً تغني عن الكم الهائل من الورق الذي نطبعه لتقييم شخص وتجدها في النهاية صحيحة ومعبرة ترن في أذنك كلما تعاملت مع الشخص وعرفته عن كثب.
يعجبني من تلك العبارات المختصرة جداً والمعبرة عندما يصفون الموظف او المسؤول ذا المسؤولية التنفيذية بأنه «سكين دثرة» تعبيراً عن عدم قدرته عى القطع في اتخاذ القرارات وهذا النوع من المسؤولين متعب لموظفيه وللمراجعين وللوظيفة وللمجتمع ولمن أعطاه الثقة.
تماماً كما هي السكين غير الحادة أو مثلومة الشفرة «الدثرة» لأنها لا تقطع بسرعة فإنها تتعب من استخدمها وتعذب الذبيحة (وهي القرار هنا) وتحرق أعصاب من ينتظرون وجبة شهية من الإنجازات.
بالمناسبة هم لا يحكمون على صفة واحدة أو جانب واحد ويعممونه بل العكس فإن حكمهم إذا صدر بأن فلاناً من المسؤولين «سكين دثرة» فإنهم يعنون ما يقولون عن شخصيته ككل وليس عن جزء منها.
نحن في تقييمنا للتنفيذيين في وظائفهم لا نعير هذا الجانب الأهمية المطلوبة بدليل أننا نحاسب على الأخطاء فقط أما من نعينه ولا يحرك ساكناً فإننا نرضى عنه رغم سلبيته المستمرة بينما من ارتكب خطأ ارتكبه لأنه يعمل ويقطع في اتخاذ القرارات وتكون له لمساته الواضحة التي يراها الأعمى وتسمع الأصم.
السكين الحادة تخطئ بسبب حدتها فتجرح إصبعاً لا يلبث أن يشفى لكن السكين غير الحادة «الدثرة» تجرح القلوب وتهلك النفوس وتؤدي إلى الإحباط ومع ذلك تجد من يصبر عليها.
في هذا الزمن المتسارع نحن في أمس الحاجة وطنياً لعناصر حية فعالة لديها مخزون كبير من الثقة في النفس والجرأة والتضحية، تعمل وتخطئ وليس تلك التي تقبع على الكرسي تتحسسه في جمود وعدم حراك خشية أن يتحرك.