لأن الوقاية جهد مشترك بين عدة وزارات فإننا لا نجيد أداءه على الإطلاق، لذا فإننا نبذل جهداً كبيراً ونصرف أموالاً طائلة على العلاج وكأننا نستهوي ترك المشكلة، أي مشكلة، تحدث ثم نحاول أن نبرز أنفسنا كمسؤولين في محاولة يائسة لعلاجها.
إذا صح هذا الافتراض الذي أراه واقعاً مريراً فإننا لا نعير الوقاية اهتماماً لأنها عمل مشترك لا يبرز فيه شخص بعينه، بينما نهتم بمحاولة معالجة الجهة المختصة لكارثة سمحنا لها بالحدوث لأن هذه الجهة ترى أن البروز هو الهدف..
وقائع كثيرة صحية وبيئية واجتماعية واقتصادية تؤيد هذه الفرضية، لكن ما نحن بصدده اليوم هو واحد من أبسط الأمثلة. وفي الوقت ذاته أخطرها وأوضحها وأكثرها انتشاراً رغم أنه أسهلها في العمل الوقائي المشترك الذي لا نجيده..
البعوضة تلك الحشرة الصغيرة الخفيفة الضعيفة شكلاً القوية مضموناً لأنها المسؤولة عن نقل أهم عنصر حيوي في جسم الإنسان وهو الدم من مريض إلى سليم والعكس لا يهم، وبالتالي فإنها «الناقل الرسمي» لجميع ما عرف وما لم يعرف من الأوبئة التي تنتقل من مريض الى سليم بحدوث دورة حياتية لجرثومة داخل جسم تلك الحشرة مثل الملاريا القديمة الجديدة أو بالنقل الجماعي لمجموعة من الفيروسات ونشر عدد من الأمراض الخطيرة التي تنتقل بنقل الدم، ولعل الدراسات الحديثة بدأت تدق ناقوس خطر مسؤولية البعوض عن نقل الأمراض الفيروسية وعلى رأسها من حيث الخطورة والمأساة مرض الإيدز.
الملاحظ مؤخراً أن البعوض يسرح ويمرح ليس في مناطق نائية وقرى تتوفر فيها ظروف صعبة لتكاثر البعوض وصعوبة محاربته مع عدم استحالة القضاء عليه بل في مدن رئيسة والعاصمة على رأسها، فالبعوض أصبح شريكاً لنا في جميع المدن والقرى والأحياء دون أن يتعرض له أحد، ولذا فإنني ألقب أنثى البعوض بالآنسة لأن أحداً لم يتعرض لها.
لو كان ثمة جهد مشترك يهدف الى تحقيق انجاز من الجميع وللجميع لكانت وزارة الصحة تبنت الحرب على الناقل الأول لأخطر الأمراض ودعمت بالأرقام والاحصاءات والدراسات خطورة الوضع وبحثت مع البلديات أسباب اطلاق حرية البعوض واشتركت وزارة الزراعة في دراسة احتمال عدم فاعلية المبيدات إن وجدت مع أن الواضح في العاصمة على الأقل ان الرش الذي كنا نسعد بالركض خلف سيارته لم يعد موجودا على الإطلاق ناهيك عن جهود رش وردم المستنقعات بعد السيول وطفح المجاري.