كانت عبارة «حلال حكومة» ترمز الى إعطاء الضوء الأخضر لإساءة استخدام الممتلكات الحكومية خاصة السيارات والآليات على اساس أنها ملك عام تدفع تكاليفه الدولة وليس الفرد .. وهو منطق ينم عن جهل وأنانية ونقص في الشعور الوطني وأتمنى أنه بدأ في التضاؤل في ظل الوعي وتطبيق ما يحمي ممتلكات الحكومة من اجراءات ومراقبة ومحاسبة وجميعها غير كافية للقضاء التام على الممارسات الخاطئة نحو «حلال حكومة».
المنطق الآخر الذي بدأ في التزايد وهو لا يقل خطورة عن الأول هو أن بعض المسؤولين يتعامل مع الدائرة التي يرأسها وكأنها ملك له يستخدمها لتخدمه لا ليخدمها ويستفيد منها بدل أن يفيدها وكأن ذلك المنطق الجديد يجعل من الوزارة «حلال وزير» والادارة «حلال مدير».
ونظراً لشيوع هذه النظرة الخاطئة فإن الموظف على اختلاف مسؤوليات الوظيفة، من الوزير الى رئيس القسم ما ان يتولى المسؤولية فإنه يبدأ في تغيير ملامح «حلاله» بدءاً بالأنظمة ومروراً بالأشخاص وتبديل أولويات العمل وانتهاء بالأثاث والأسماء والألوان.
هناك من يرى في المنصب الجديد «صالون» تجميل وتلميع لذاته ومنصة انطلاق لمسؤوليات أهم ومناصب أعلى ويتعامل مع دائرته على أساس أنها «حلاله» لتحقيق هذا الهدف وهذا النوع ليس لديه أدنى استعداد لأي نوع من المواجهة التي تخدم مصلحة العمل ومصالح الناس ويريد أن يبقى المسؤول المسالم الصالح لكل زمان ومكان بناء على معايير قاصرة لكنها مطبقة.
وثمة من يعتبر الوظيفة الجديدة ملكاً خاصاً لا يؤتمن عليه إلا القريب والصهر والحبيب بصرف النظر عن توفر أي مؤهل آخر من عدمه غير المؤهل الأنسب لادارة الحلال وهو القرابة والصداقة والمصاهرة.
كل تلك الصور القائمة على نظرة تملك المسؤولية وليس تحملها وغيرها صور أكثر لا يتسع المجال لسردها أدت وتؤدي الى إرباك أعمال الكثير من المؤسسات الحكومية وتقهقر بعضها بشكل مخيف وتسرب الكفاءات من البعض الآخر وإحداث آلاف الإحباطات في أوساط العاملين المؤهلين.
والحقيقة أن اللوم لا يقع على نظرة المسؤول للمسؤولية الجديدة على أنها «حلال موظف» يتصرف بها كيفما شاء وحسب بل إن جل المسؤولية عما يحدث يعود الى غياب عنصر توحيد النظم والاجراءات المشتركة وتثبيتها في كل زمان ومكان وفرض استمراريتها على الأشخاص بحيث يتحول المسؤول الجديد الى لاعب سباق تتابع يحمل العصا وله ان يوظف مهاراته للركض بها بسرعة أكبر ولكن دون أن يغير في أنظمة اللعبة ثم يسلمها للاعب الذي يليه.. وهكذا.
إن إحداث شخص واحد لتغيير جذري في المؤسسة سواء بالسلب أو حتى بالإيجاب دلالة مؤكدة على ان الأمور تدار بالبركة أو عكسها دون أطر تضمن الاستمرارية والاستقرار الشامل والذي يحقق نمواً وتطوراً تدريجياً لكنه دائم.