مونيكا «سويقه»

حتى الممارسات شديدة السلبية إذا أرغمتنا بفعل بشاعتها على طرحها بشفافية في الإعلام فإنها تسجل لنفسها إيجابية ولو واحدة، فتدخل ضمن «رب ضارة نافعة».
لم نكن نتطرق لموضوع التحرش الجنسي قبل حادثة فتاة «الباندا» وفتاتي النهضة مع أن المفترض أن نفعل لأن التحرش الجنسي بتعريفه الشامل كان ومازال موجوداً وبأشكال متعددة.

الغريب أن الحادثتين اللتين علقتا الجرس تشتركان في صفة واحدة غريبة جداً وهي إعلان الفاعل أو الفاعلين عن التحرش بعد تصوير الإدانة ثم نشرها على الناس في الإنترنت أو عن طريق تكنولوجيا الهاتف الجوال، ولعل هذا ينبهنا إلى عامل هام جداً وهو الجهل بالعقوبة وعدم إدراك عواقب الأمور.

يذكرني هذا بتحقيق صحفي أجريته مع مدير عام مكافحة المخدرات اللواء جميل الميمان منذ حوالي عشرين سنة في جريدة «الجزيرة» نشر على ثلاث صفحات آنذاك.. قال لي إن أحد المروجين عندما أحضر لي حلف وهو يدخل صارخاً بأعلى صوته «أقسم لك بالله أني أبيعه لكنني لا أستعمله».. ولم يكن يدرك خطورة اعترافه فلم يكن يعلم أن عقوبة الترويج تصل حد القتل بينما الاستعمال سجن سنوات لاتزيد على خمس آنذاك.

الجهل بالنتائج درس يجب أن نتعمله ونعلمه لمن يجهلونه فعلى الناس أن يعرفوا مغبة كل فعلة عن طريق توعية مكثفة.

أما الدرس الثاني فهو ما يتعلق بأن التحرش كما ذكرت موجود بعدة صور ومنذ القدم، لكننا لم نوجد بعد قنوات «مستورة» للتبليغ عنه وانتظرنا من يبلغون عن أنفسهم من المجرمين بالصوت والصورة.

بائع الذهب والقماش والملابس والأواني والدواء يتحرش بزبونته جنسياً إما بالقول أو بالفعل لمساً وخلافه.

سجلت حالات وقضايا لأطباء تحرشوا جنسياً بمريضاتهم لكن روح النقابة لدى بعض زملائهم وهم رؤساؤهم تجعلهم يتسترون على كثير من المواقف لكن الفعل موجود.

أصحاب سيارات الأجرة يمارسون أشكالاً من التحرش الجنسي بالقول والعمل.

زملاء الأعمال المختلطة يخلطون كثيراً بين ما يختص بالعمل وما يصنف كسوء عمل !!.

في جميع الحالات والحوادث تفرض صفة الحياء وطلب الستر في مجتمعنا على المرأة أن تكتم ما تتعرض له من أذى وتحرش عن أقرب الناس إليها وحتى أقربهم لو أبلغته فإنه يريد الستر وقد ينهي الأمور بطريقته الخاصة.

كل هذا لأننا مجتمع شديد الحساسية والحرص على السمعة فلسنا مجتمع مونيكا التي ربما تفاخرت بالتحدث لوسائل الإعلام بالتفصيل الممل عن كيف تحرش بها رئيس أكبر قوة في العالم ولو تواجدت في سوق «سويقه» أو «السدرة» منذ ثلاثين سنة لما انتهت مسلسلات اعترافاتها حتى يومنا هذا طالما لا يعيقها الحياء وطبيعة المجتمع التي تعيق غيرها !!.

علينا إيجاد قنوات ستر تبلغ من خلالها كل ضحية عما تعرضت له من أذى ونضمن سرية المعلومات، وعلنا بتطبيق وإعلان عقوبة أو اثنتين «بعد التثبت» نكون قد جعلنا من تلك القنوات عوامل ردع للتحرش المستور.. وقد سبق أن اقترحت أقساماً في المستشفيات تعنى بشئون المرأة العاملة تكون نواة لهيئة تقوم فيها المرأة على شئون المرأة، لكن يبدو أن الاقتراح الذي يعنى بالمصلحة العامة فقط يطول انتظاره في زحمة مقترحات المصالح الذاتية.

اترك رد