هكذا وبطريقة تلقائية وجدنا أنفسنا وقد فرضنا على حياتنا الوظيفية، خاصة في المستويات العليا، نمطاً غريباً وفريداً من السلوك الوظيفي أو «بتعبير أقرب لمستوى الوظيفة» تعريفاً جديداً لمعنى المنصب الجديد.
يفترض أن التعيين في مستوى أعلى من المسؤولية يعتبر تكليفاً لا تشريفاً وتحميلاً لمزيد من مشاق العمل التي تستلزم مزيداً من الجهد ووقت التواجد و«التفرغ» لمهام المنصب الجديد ومحكاً دقيقاً لاختبار قدرات الشخص الإدارية وهل كان التوفيق حليفاً لمن رشحه أم أن المنصب كان أكبر من قدراته.
في نمطنا الجديد أصبح المسؤول الجديد يعتبر المنصب محطة للاستراحة والتفكير في كيفية تلميع الذات «دون عطاء» للصعود إلى الدرجة الأعلى مباشرة وعن طريق «مصعد» التواجد الإعلامي وحضور أكبر قدر ممكن من المناسبات الشرفية وإبداء درجة عالية من الليونة على حساب مصلحة العمل.
لم تعد المسؤولية الجديدة قاعة اختبار طويل المدى تؤهل إلى «احتمال» التكليف بمسؤوليات أكبر، وتستدعي جهداً وعرقاً وإبداعاً وبذلاً للوقت والذهن والتفكير والانصهار في تفاصيل المسؤولية الجديدة أملاً في فهمها وخدمتها والنجاح فيها.
أصبح الشخص يدخل المنصب مسرعاً يبحث عن الطريق إلى المحطة القادمة تماماً كمن ينزل من قطار أرضي يركض يمنة ويسرة ينظر في الخرائط من حوله عله يجد لون الخط الذي ينقله إلى المحطة القادمة.
هذه النظرة هي التي أدت إلى انخفاض الأداء في بعض المؤسسات وتدني الخدمات رغم ضخ دم جديد ما يلبث أن يوزع مسؤولياته على من هم حديثو عهد بالإدارة وينشغل عنهم بالحديث عن اللون الذي يؤدي إلى المحطة القادمة.
المجتمع هو الآخر انساق مع هذا النمط وتشبع وأصبح يعتبر التعيين تشريفاً يستوجب التهنئة وكأنما حصل على كسب مع أن الطبيعي أن نربت على كتفيه ونتمنى له النجاح في اختباره الصعب ونعزيه في ما سيفقد من راحة ووقت وأجواء أسرية، لأن الأصل أن الموظف للوظيفة وليس العكس وكلما كبرت الوظيفة احتاجت إلى مزيد من العمل وقليل من الراحة وكثير من التواجد في مقر العمل لكن هذا لا يحدث دائماً.