قصة الأبرياء الأربعة الذين حُكم عليهم في جريمة قتل في جازان أحكاماً تراوحت بين 14 عاماً وسبعة أعوام مع الجلد وبلغ مجموع الأحكام 44 عاماً و10500 جلدة وأمضوا في السجن 7 سنوات، ثم اتضح بعد القبض على القاتل الحقيقي أنهم كانوا أبرياء وهي القصة التي أوردتها جريدة «الوطن» يوم السبت 24 شوال 1426ه بطريقة تغني عن أي تعليق حول الخطأ الفادح الذي أدى إلى دفع هؤلاء الأبرياء 7 سنوات من العمر والألم ثمناً لذنب لم يرتكبوه وفقدان والدة أحدهم لبصرها وإدراج زوجته ضمن قائمة المرضى النفسيين ووالده إلى قوائم ضحايا مرضى السكري بينما ينام المحقق ملء جفنيه.
ولأن القصة تغني عن التعليق فإن ما أود أن أورده هو التنبيه والتأكيد على عدد من العِبَر الإيجابية لهذه الحادثة المؤلمة.
العبرة الأولى تؤكد على عظم ديننا الحنيف وأحكامه التي لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها لأن مرجعيتها من كتاب منزل وسنَّة نبوية شريفة ولذا فهي، أي الأحكام، تتميز بالحيطة الشديدة جداً فيما يتعلّق بحق الحياة، فلو كان المتهم الرئيس في القضية المذكورة في بلد يخضع لقوانين وأحكام وضعية تطبق حكم الإعدام لكان قد أعدم منذ سنوات لأنه اعترف بارتكاب القتل، وبذلك لن يستفيد من ثبوت البراءة ولكانت المأساة أكبر بكثير لكن الحكم القائم على شرع الله وسنَّة رسوله أكد حسب ما ورد في نص الحكم المنشور «بدرء الحد الشرعي عن المدعى عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: ادرؤوا الحدود بالشبهات» أ.ه.
فرغم اعتراف المتهمين إلا أن وجود شبهة بسيطة ربما في عدم قدرة المتهمين على تمثيل الجريمة أو تظلمهم من حيثيات الاعتراف جعلت المحكمة تطبق درء الحد الشرعي وهذه نعمة كبيرة منعت مأساة مدوية.
العبرة الثانية تكمن في أن على المحقق مهما بلغ به التأكد من تطابق الجريمة على المتهم أن لا يجزم بذلك وأن لا يتصرف بناء على حيثيات قد تكون محض صدفة وأن يتقي الله فيمن ولي أمرهم فقد يكونون أبرياء أو بينهم بريء.
العبرة الثالثة أن ضابط التحريات البطل الذي أخلص في عمله وجمع خيوط القضية من جديد بعد سبع سنوات وقبض على الجناة الحقيقيين إنما حقق هذا النجاح لأنه أخلص في عمله ومنحه جهداً غير عادي دون تهاون أو تراخ أو كسل ودون استهتار بمصير الأبرياء فحقق ما حقق من نجاح سيثاب عليه إن شاء الله في الآخرة وجدير بأن يكافأ عليه في الدنيا، فنحن بأمس الحاجة إلى تشجيع روح العمل بالدعم المعنوي والمكافآت المعنوية والمادية.