كنتُ قد حذرت في أكثر من مقال سابق من خطورة انشغال موظفي الدوائر الحكومية والخاصة بمتابعة سوق الأسهم والبيع والشراء عن طريق الشبكة العنكبوتية، الأمر الذي أدى فعلاً إلى تأخر مصالح المراجعين ومعاملاتهم، بل أدى إلى عدم قدرة بعض الموظفين في مسؤوليات حساسة على مقابلة أصحاب الشكاوى واحالتهم إلى السكرتارية أو إلى موظفين لا يملكون القرار لإنصافهم وذلك لمجرد «تصريفهم» حتى يغلق السوق.
وبالنسبة للمستشفيات والدوائر الصحية فإن السلبيات لا تنتهي باغلاق السوق في الفترة الصباحية بل تمتد مع امتداد دوام المستشفيات في الفترة المسائية وتمتد معه المعاناة.
وفي الدوائر الصحية ذات الدوام المستمر من الصباح حتى بعد المغرب فإن فترة توقف سوق الأسهم بين جلستيه الصباحية والمسائية هي الفرصة السانحة لصاحب الحق ان يجد من يستمع إلى مطالبته حتى لو كانت تتعلق باهمال صحي أو جانب إنساني مهم ومع ذلك فإن فترة الهدنة القصيرة تلك تضيع على المراجع بين «فسحة» الغداء التي هي حق من حقوق الموظف يحرص عليه ويدركه ليس بذات الإدراك لحق المراجع طبعاً!! وبين نقاشات هاتفية وحضورية حول نفس الموضوع «تجارة الأسهم».
هذه الأسهم ضربت إنتاجية المجتمع في مقتل في مجالات شتى وأضرت بمصالح الناس عن طريق إهمال غير مشروع وانشغال غير مستحق وغير منصف.
الذي استجد يعتبر ضربة خطيرة جديدة تتخذ طابع المشروعية تتمثل في تحول كم كبير من الأنشطة الاستثمارية ذات الطابع الفردي أو الجماعي الصغير إلى الاستثمار في الأسهم مما عطل أنشطة عديدة وحول السيولة عن الاستثمار المفيد ذي الإنتاجية والمصالح المشتركة إلى استثمار في أرقام ووحدات وهمية لشركات لم تبدأ أعمالها بعد فأصبح تاجر الأسهم كمن يشتري طيراً في الهواء أو سمكاً في الماء وهذا نتائجه، على المدى البعيد، عندما يجد الجد وتقاس مكانة الدول بإنتاجيتها لا سيولتها، ليس من الصالح الوطني في شيء.
أتألم كثيراً وأنا أشاهد لوحات «للتقبيل.. لعدم التفرغ» تتزايد على واجهات أنشطة تجارية ذات مردود عملي، حتى أصبح اقتصادنا يعيش وسط جحيم من القبل.