تأشيرة «فتوة»

في قديم الزمان وعندما كنت في عنفوان الشباب أقبع في مستودع كفرات داخل منزلنا حوّره والدي رحمه الله ليصبح غرفة مذاكرة، عكر هدوء حارتنا، «ثليم» هدير سيارة وانيت أمريكي (يبدو أن تعكير الهدوء والأمن صناعة أمريكية قديمة استمرت) يتقدم تارة ويتأخر أخرى ويعانق جدران الطين بمقدمته مرة وبمؤخرته مراراً ويترنح في شارع ضيق يستخدمه الصغار استاداً رياضياً، مزروعاً بالاسفلت ومرماه كومة من الحجلرة بلا عوارض يحاولون فيه تقطيع وقت طويل لا يعرف الترفيه فكاد صاحب الوانيت أن يقطعهم ويقطع وقتهم ويمضيه إلى الأبد.
نزلت مسرعاً وقد علمت ان أحد الصغار خرج من منزلنا للتو فجزمت ان هذه الأصوات لعجلات تتناوب على جسده الرقيق ورغم الفرحة بسلامته إلا أن شدة الغضب تغلبت على حالة التردد والخوف في داخلي وقررت ان أدخل مغامرة أول عراك جدي قد أخرج منه مهزوماً بعين زرقاء، أو بدون عين، ففتحت باب (الوانيت) وكان أقوى عضلاتي آنذاك لساني فاستخدمته لإدخال الرعب في قلب الخصم بكلام لا أذكره والمؤكد انه لم يفهمه فقد أردت ان أكون ظاهرة صوتية كالعرب.

فوجئت وأنا أفتح الباب بشاب عريض المنكبين بارز الفكين، كبير الكفين فكدت أن أغير رأيي وأقول له «السلام عليكم فقط أردت ان اتأكد من أن الباب مقفول» لكنني شممت رائحة مبشرة فقد كان مخموراً ولعل من حقارة الخمر وخبث هذا الرجس انه يضعف صاحبه مهما بلغ من قوة أمام نحيل (آنذاك) خائف (حتى اليوم) مثلي، فأخرجته من سيارته واستدعيت الشرطة وكانت الشرطة آنذاك لقلة وسائل المواصلات تحمل المجرم والقابض عليه في نفس السيارة فالتفت إليّ وقال «سوف أشرب من دمك» قلت له «إن لقيت دم اًعقب شوفتك فاشربه ولن أستغرب لأنك ممكن تشرب أي شيء».

في الشرطة حرصت على أن أسجل في المحضر انه هددني وأي شيء يحصل لي فهو بسببه، لأنني أعلم انها المرة الأخيرة التي سوف أفوز فيها، لكنهم طمأنوني أن «السكران جبان» ودعوت الله أن يكون سريع النسيان أيضاً وقد استجاب لي.

حسناً.. تذكرت هذا الموقف وأنا أشهد أن ممارسات «الفتوة» زادت في مجتمعنا فهذا معلم يُضرب وذاك مبدع يهان حتى الموت وموظف «مفصول» يعتدي على مديره فيفصل شبكية عينه، فماذا حل بنا؟!

أعتقد ان علينا أن نتعامل مع مواقف «الفتوة» مبكراً وباجراءات رادعة قبل ان تصل لدينا إلى الحد الذي يصعب السيطرة عليه مثلما يحدث في الشام ومصر لأننا إذا لم نحسم أمر هذه الممارسات بعقوبات رادعة وسريعة لا تقبل روتين المحاكم العادية فإن علينا أن ننتظر ما حدث لغيرنا، حيث نحتاج إلى استئجار حراس أمن لتقوم بواجباتك الوظيفية التي يمليها عليك ضميرك، وعندها فإنه لابد لوزارة العمل أن تستحدث وظيفة «فتوة» وتقبل بمنح التأشيرات لها لأن في المجتمع من لا يستطيعون سعودة الوظيفة بالأجر المتوقع والمواصفات المطلوبة وعلينا أن نستقدم لها من الخارج.

والفتوة لمن لا يعرفها تسمية مصرية لشخص بدين طويل إذا أراد أن يصفع الواقف جلس وإذا رفع ركبته وافقت رأسك يهدد سكان الحارات ويحرس الراقصات من أزواجهن ومن الاعتداءات.

اترك رد