اعترافات مدير سارق

كلما عاشرت عدداً أكبر من البشر كلما أدركت ان الانسان مخلوق غريب الى درجة انه يحتوي على مجال مغناطيسي من حوله يمنعه من رؤية ذاته والاقتناع بأخطائه والاحساس بعيوبه مع انه يرى نفس الاخطاء وذات العيوب في غيره.
هذا الشيء لم يفت على الحكماء من شيابنا فقديماً قالوا في مثل نجدي «يشوف القذات في عين اخيه والرمح في عينه ولا يبصر!!» والقذات شانية صغيرة جداً تتطاير في الجو يبصرها المقصود بالمثل اذا وقعت في عين انسان آخر اما الرمح على كبره فلا يبصره ولو دخل عينه. اما في قصص التراث العربي القديم فقد روي مثلاً ان امرأة تقول لرجل دخل بها سراً بالحرام: يا ابا فلان ان الناس يتهمونني بمعاشرتك فرد عليها: «يخسون» وواصل ما جاء من أجله!!

كتبت ذات مرة عن المديرين الذين يسرقون انجازات وافكار موظفيهم ويجيرونها لأنفسهم ويحصلون بها على اعلى المراتب وذكرت انه تصرف لايليق ويتسبب في اخفاء الكفاءات الحقيقية المبدعة خلف ستار زائف هو رؤساؤهم الذين يدعون ابداع موظفيهم لانفسهم، وحدثني كثر عن تأييدهم لاثارة هذا الموضوع واستهجانهم الشديد للمدير الذي يخفي موظفيه ليظهر هو، والغريب ان احد هؤلاء المعجبين بالموضوع اصبح مديراً وبلغني انه ما استلم مقترحاً او فكرة اعجبته الا اعاد ترتيب حروفها بنفس الجوهر ورفعها لرئيسه على انها فكرته وابداعه قلت في نفسي ربما كان «يستغفلني» بادعائه اعجابه بما كتبت فدعني «اغافله» بتهنئة وسؤال عن تلك التهمة فلا خير في صحفي ينتقد الناس بما لا يجزم وجوده فيهم ولا انسان يضمر في داخله انطباعاً عن شخص دون ان يمنحه حق تصحيح ذلك الانطباع او تأكيده.

قلت له يقول موظفوك انك لا تسمي افكارهم بأسمائهم قال لي: يا اخي مشكلتهم ما يفهمون ان التسلسل الاداري يستوجب ان تكون الكتابة من المدير وليس صغار الموظفين، قلت له: وبهذا التسلسل متى يصبح صغار الموظفين المبدعين كباراً بإبداعهم وافكارهم ويأخذون فرصتهم؟! رد علي يا اخي اهم شي الوطن يستفيد من الفكرة بصرف النظر عن صاحبها ومن اوصلها.

قلت له انت وامثالك تريدون من الوطن ان يكون مسرحاً للدمى المتحركة التي تحركها انامل خفية من تحت الطاولة وتجعلها تتراقص بتناغم رائع، لكن ماذا لو انقطع الخيط الموصل بالاصبع الاوسط وسقطت الدمية على ركبتيها والاصبع يتحرك تحت الطاولة، ألن يكون في ذلك سخرية كبيرة؟!.

ثم باغته بالسؤال عن اعجابه بما سبق ان كتبته وهو ذاته ما يمارسه، فرد بارتباك ابداً الوضع هنا مختلف، فودعته مردداً «بل وضعك الذي اختلف!!».

اترك رد