إغماءة الصحة

عندما نتناول وزارة الصحة باللوم أو حتى بالنقد فلأننا نتعامل مع صحة وطن، صحة أجيال، صحة أجساد تشكل في مجموعها جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
كل الأمم باختلاف ثقافاتها وأديانها وطبائعها ترفض رفضاً قاطعاً أن تصبح صحة الإنسان حقل تجارب وهذا أمر طبيعي فطري لا خلاف عليه.

الأمر الذي لا يقل خطورة ولا إثارة للاستنكار أن تكون إدارة الصحة حقل تجارب، وضحية لاختبار قدرات أشخاص لأننا بذلك نعرض كيان وزارة الصحة للخطر.

معالي وزير الصحة أعلن نيته تدوير المناصب في الوزارة لأشخاص لم يمض على تدويرهم أو تعيينهم ثمانية اشهر وحقيقة كنت أعتقد أنها مزحة إعلامية، حتى بدأت فعلياً وبتبديل مراكز حساسة تحتاج إلى تأهيل من نوع خاص وخبرة وتمرس في مجال العمل وأمانة مجربة ومثبتة.

الصحة ليست مدرسة لتعليم القيادة، الصحة وزارة يفترض أن تستقطب أعلى المؤهلات، وأكثر الثقات، وأشرس الخبرات وأقوى الشخصيات، وتثبتها في المسؤوليات الحساسة ذات الطابع التنفيذي وذات العلاقة بنشاطات يومية تتعلق بذئاب المصالح التجارية وشركات دواء وقطاع صحي خاص ووكلاء دواء وملاك صيدليات ومستوصفات وغيرهم وهي مناصب في أمس الحاجة لمدير خبير موثوق، مستقر، ومؤهل نافذ الصلاحية لا مدير مدور تجده بالأمس بعيداً عن المواجهة واليوم سكرتيراً وغداً مسؤولاً تنفيذيا.

التدوير يجوز في وظائف فنية أو تخصصية تعتمد على كسب المزيد من المعلومات عن منشأة واحدة تقدم خدمة محددة، لا أن يطبق التدوير في مواقع إدارية تنفيذية ذات قرار حساس ويلعب فيها الإمضاء حداً قاطعاً كالسيف.

الصحة ليست لعبة كرة قدم تصدق معها نظرية الكرة الشاملة ويجرب فيها لاعب الوسط مدافعاً والمهاجم حارس مرمى!!، فالإدارة الصحية باتت علماً قائماً بذاته شديد التخصص دقيق التأهيل متعدد الفروع.

لطالما طالبنا وطالب كثيرون قبلنا وبعدنا أن تترك إدارة المنشآت الصحية للإداريين ويتفرغ الأطباء للطب وتعطى كل قوس لباريها وكل خبز لخبازه «على أن لا يأكل نصفه فهذا الشق من المثل غير مقبول هنا ».

ما لم تعد وزارة الصحة النظر في فكرة التدوير تلك فإنني «والله أعلم» أتوقع أن تشهد الإدارات العامة في الوزارة فوضى وارتباكاً لم تشهده من قبل وسيصاحبها ثغرات إجرائية ينتفع منها غير النظاميين من المتربصين في القطاع الصحي الخاص وأرباب المخالفات والحيل ونهازي الفرص ويعاني منها المريض والوطن وتكون الإغماءة هذه المرة من نصيب وزارة الصحة نفسها.

اترك رد