المكان المناسب

حسب معلومات عدد من القطاعات الحكومية الصحية الموثقة فإن كل قطاع انتدب عدداً كبيراً من موظفيه لحضور معرض ومؤتمر صحة العرب في دبي «هذا التجمع الذي تشد له الرحال من كافة أنحاء المعمورة لعرض أحدث المنتجات الطبية والصناعية الصحية وتُلقى في مؤتمره أوراق بحثية تميل إلى الجانب الصحي التجاري ويعتبر التجول في القاعات الثماني الرئيسة في معرضه والقاعات الأخرى الإضافية فرصة عملية لا تعوض ويفترض أن تستغلها الجهات التي أرسلت له من موظفيها».
وصل معدل من انتدبوا من بعض القطاعات الحكومية التي تهم الشركات إلى 120 موظفاً أغلبهم من المديرين التنفيذيين ومساعديهم ومشاركيهم !!.

كان ذلك حسب معلوماتي الموثقة، أما حسب ملاحظاتي الدقيقة فإن عددا قليلا جداً من السعوديين حضر إلى موقع المعرض وسجل، وعدد أقل بكثير تجول في المعرض واستفاد أما العدد الأكبر ممن تم انتدابهم فإنك تشاهدهم مساءً يتجولون في أسواق دبي، الإمارات مول، وابن بطوطة مول وغيرها وقد تورمت أعينهم من «النوم» أما عدد غير قليل ممن رشحتهم قطاعاتهم لحضور المعرض والاستفادة خاصة من المدراء التنفيذيين ومساعديهم فإنهم كانوا أكثر استهتاراً بالثقة الممنوحة لهم فلم يغادروا فنادقهم مطلقاً حتى لزيارة الأسواق ومشاهدتها والاحتكاك بالناس وتفرغوا للأكل والشرب بينما فوتت الفرصة على موظفين لهم طموح ورغبة في تطوير أنفسهم وإفادة قطاعاتهم بما ينعكس إيجاباً على توفير أجهزة طبية ومعدات وأدوية بأسعار منافسة ونوعيات وخيارات متعددة وجودة عالية .

ولأن القطاعات الصحية الحكومية حالياً يقوم عليها إما قليلو خبرة إدارية أو ضعيفو شخصية أو هما معاً فإنهم يعتقدون أنه طالما أن من سيتكفل بتكاليف انتداب الموظف هي شركة تجارية وأن الجهة الحكومية لن تدفع درهماً واحداً فإنها لا يجب أن تدقق في أمر التزام المنتدب بالحضور والاستفادة، على أساس فكرة جد متواضعة بل أقرب إلى السذاجة ومفادها أن «البلاش ربحه بين» .

هؤلاء المسؤولون بلغ بهم ضعف الخبرة والمجاملة وضعف الشخصية الإدارية أن نسوا أن ذلك المدير التنفيذي النائم في الفندق يكلفهم أجره اليومي المدفوع له وهو نائم، ويكلفهم ضياع فرصة استفادة موظف آخر من حضور تلك المناسبة على حساب نفس الشركة ولكن بمشاركة فعالة، ويكلفهم تراكم أعماله إذا كان له أعمال إدارية تتعلق بمصالح مرضى ومواطنين وقطاع صحي حكومي بأكمله، ويسبب ما تشهده تلك المؤسسة من شلل أثناء فترة المؤتمر والمعرض بسبب انتداب غالبية مديريها التنفيذيين لكي يناموا أو يأكلوا و«يشربوا» في دبي، نسوا أن ذلك يكلفهم خسارة عدد كبير من صغار الموظفين الطموحين الذين يصيبهم الإحباط عندما ينتدب غير الجادين فقط بينما يتركون هم المعنيون حقاً بتوفير الأجهزة والأدوات والأدوية وإجراء المفاوضات محرومين من فرص التطوير حتى المجانية منها !! والتي تتكفل بها الشركات .

إن المدير الضعيف الذي «يبصم» على مشاركة 80٪ من موظفيه التنفيذيين في مثل ذلك المعرض الهام لأنهم حصلوا على دعوات من شركات أو رشحوا أنفسهم للسفر على حساب شركات إنما يعرض منشأته لخطر الفساد الإداري فالشركات تسمي من ينفعها وكان يفترض به أن يرشح أسماء غير متوقعة ومستحقة ومضمونة الاستفادة .

أنا هنا لا أعني وزارة الصحة فقط ولا قطاعاً صحياً آخر بعينه ولكن يبدو أننا في هذه السنوات نعيش سنوات عجافا إدارياً لا بد أن ننهض منها قريباً إن شاء الله بإعطاء القوس لباريها والإدارة للمتخصص فيها، فأنا أستطيع تسمية السنوات القليلة الماضية والحالية إدارياً بسنوات الجمود، فلم نعد نرى المدير الحازم الذكي الخبير القادر على قيادة المنشأة الى بر الأمان .

اترك رد