أخطر ما يمكن لإنسان أن يمارسه ضد إنسان آخر هو حرمانه من حق مشروع، فالإنسان بطبيعته البشرية المتميزة تتوفر لديه القناعة والقبول بمنعه من ممارسة أمر غير مشروع حتى لو أراد ممارسته فإنه يتقبل أي رادع بقناعة ورضى. ويحدث العكس تماماً عند منعه من حق مشروع إذ يصبح أكثر إصراراً وإلحاحاً ومحاولة للوصول لنيل حقه حتى لو اضطره ذلك للتحايل على القرارات والاجتهادات التي شكلت نظاماً حرمه من حقه المشروع.
الاستزادة من طعام يشبع جوعة أو شربة تروي ظمأً هي حقوق مشروعة لا يمكن لإنسان أن يقبل منعه من ممارستها، والاستزادة من علم نافع لا تختلف مطلقاً من حيث الإصرار والرغبة والمشروعية.
أمامي قضية تفصيلية بكل وثائقها لمواطنة سعودية أفنت جزءاً غير يسير من عمرها في تعليم بنات هذا الوطن ولديها إصرار وعزيمة على ممارسة حقها في مواصلة التعليم العالي والحصول على أعلى درجاته لكنها اصطدمت بقرار اجتهادي اتخذته وزارة الخدمة المدنية يمنع الإيفاد الداخلي لمن تجاوز سن الأربعين مطلقاً ولا يستثنى من ذلك إلا «التخصصات التي يكون الاستمرار في أداء العمل أحد متطلباتها كالتخصصات الصحية» كما ورد في خطاب صادر من وزارة الخدمة المدنية، يفهم منه أن الوظائف غير الصحية لا تستوجب تطوير الذات، وهذه من عقد الترويج لأهمية الوظائف الصحية دون غيرها وقعت فيه حتى وزارة الخدمة المدنية أكثر من مرة «للمعلومية أنا موظف صحي مستفيد من هذا المفهوم الخاطئ».
المواطنة الطموحة لم تترك باباً إلا وطرقته ولم تدع جهة حكومية ذات علاقة إلا خاطبتها وتوسلت إليها أن تمنحها الفرصة، وبحكم رصيدها الوافر من حفظ الكتاب الكريم والأحاديث النبوية وسنة السلف الصالح فقد استشهدت في محاولة الإقناع بحقها في مواصلة دراستها رغماً عن عائق السن الموضوع دون سبب مقنع، استشهدت بالآيات والأحاديث التي تحث على طلب العلم في كل مراحل الحياة وحتى الموت. وبالآية التي تشير إلى أن بلوغ الأربعين هو بداية بلوغ الإنسان أشده {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه..الآية} سورة الأحقاف الآية (15).
وقوله صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ومأثور القول من التراث الإسلامي «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» وقول الإمام أحمد بن حنبل «إنما أطلب العلم إلى أن أدخل القبر».
وعندما لم تجد أذناً صاغية وطغت بيروقراطية التعاميم وقرارات اللجان غير الطموحة، فقد حدث ما حذرت منه عند منع الإنسان من ممارسة حقه المشروع فلم تجد بداً من تناسي أنها تعمل والتقديم على أنها امرأة غير عاملة وصبرت على عدم التفرغ لا كلياً ولا جزئياً وجمعت بين جهد العمل وهم الدراسة وثابرت وأنهت عاماً دراسياً من برنامج الدكتوراه بتفوق لتجد أن الذي غض الطرف عن كونها موظفة يتربص بها مع قرب النهاية ويواجهها بالحجة ذاتها ويطوي قيدها ويحرمها من حق مواصلة التعليم (حق مشروع).
احتفظ باسم المواطنة واسم الجامعة وتفاصيل المعاناة لمن يرغب تفريج كربتها، وإن كنت أرى أن الحل الشامل للجميع هو الطريق الصحيح.