مختبرات النصب الأنيق

من يسمع عن الحملات على محلات العطارة ومن يقرأ التحذير من التعامل مع الأطباء الشعبيين أو قفل محلات معالجين غير مرخصين يعتقد أن صور استغلال المرضى تنحصر في تلك الأشكال التي تنتشر أخبار الحملات ضدها مع أن تلك المحلات الصغيرة التي تلعب وزارة الصحة دور الأسد عليها ما هي إلا صور مكشوفة يعرفها المستهلك قبل الجهة الرقابية ويدرك أنها غير نظامية وربما غير مأمونة ولا يلجأ إليها إلا بعد أن يدب اليأس في أرجائه لكنه يعرفها جيداً وإذا خدعته فإنها تخدعه بمعرفته، فلا ينم إيقاع الجهات الرقابية الصحية بها عن أدنى «شطارة».
الخداع الأخطر هو ذلك الذي يرتدي ثوب الصلاح وهو فساد خفي، ويختفي بعباءة العلاج وهو المرض بعينه، وهذا لم تكتشفه بعد أجهزة وزارة الصحة لأنه يحتاج لعين ثاقبة متخصصة وجريئة وتلك لا تتوفر فعيون رقابة الصحة لا تختلف عن عين أي مواطن عادي، ولذا فإن الثوب والعباءة التي تخدع الجمهور تمارس الشيء نفسه مع الرقيب وربما بطريقة أسهل.

ثمة مختبرات مرخصة توهم بأنها تتعامل مع تحليل «الجينات» أو اختبار عناصر ومتغيرات في الجسم البشري غير تلك المعروفة في مختبرات المستشفيات وتحاول تقمص شخصية الطب البديل أو الاستتار خلف غموض هذا الضرب من ضروب الطب.

أحد المواطنين دفع أكثر من سبعة آلاف ريال لإجراء اختبارات حساسية في أحد هذه المختبرات وكان قد دفع ثلاثمائة ريال ثمناً لجلسة إقناعه بإجراء التحاليل والتي يتولاها أستاذ جامعي.

الأدهى أن هذا «المختبر» يصرف الأدوية «ليس من حق غير الصيدلية صرف الدواء نظاماً» أما الأمر والأخطر أن تلك الأدوية أدوية مركزة بجرعات وتراكيز تعادل أحياناً عشرة أضعاف الجرعة العادية بحجة أنها أدوية طب بديل، والأغرب أنها غير مسعرة ويضع لها المالك «البرفسور» السعر الذي يريده وقد وصلت فاتورة الأدوية لذلك المواطن أكثر من عشرة آلاف ريال مما جعله يرفض استلام الأدوية ويهرب.

هذه المختبرات تقدم نتائج التحاليل في شكل رسومات جذابة ملونة (مثلاً عندك حساسية للفجل رسمتك فجلة أما إذا كنت حساساً لحليب الماعز فإن تقريرك يحتوي على صورة «معزة» !! وهكذا).

الطريف في الموضوع أن أحد المرضى صنفه التقرير على أن لديه حساسية لحمض الكافييك (CAFFIC ACID) فأشار عليه برفسور «الجينات» أن يمتنع عن القهوة وكل ما يحتوي على الكافيين، وحرم المسكين نفسه من كل هذه الأشياء وأعزها عليه القهوة ليكتشف بعد مراجعة علماء العقاقير أن هذا الحمض لا يوجد في القهوة ولا علاقة له بالكافيين إلا مجرد تشابه الأسماء.

واتضح أن برفسور المختبر لا يعرف نتائج جهازه بل أن التقرير الأنيق بصور الماعز ما هو إلا وسيلة لجذب من تناسى مراقب الصحة حمايتهم لأنه كان أسداً على العطارين نعامة في خطوب المختبرات والعيادات الأنيقة.

السؤال الهام : كيف رخص لهؤلاء؟ وبناءً على أي أساس نظامي يسمح لهم ببيع أدوية وتسعيرها دون رقيب؟ وهل اقتنعت الوزارة على أساس علمي بطريقتهم في التحليل والعلاج وإعطاء الجرعات المضاعفة؟ وستجد أن كون المختبر يقبع في بناية شامخة وعلى طريق رئيسي ويملكه أستاذ جامعي له دور في ترك الحبل له على الغارب !! أي أن الشكليات خدعت الوزارة وإلا فإن خطره أكبر من العطار.

اترك رد