أما وقد نجحتْ تجربة «جرب الكرسي» وتم تعميمها بشكل واسع، وسوف تؤتي أكلها إن شاء الله، فإنني أقترح أن نشرع في تجربة جديدة ومهمة تحت عنوان «جرب المنصب».
يبدو جلياً بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أن المنصب أو كرسي المنصب له مجال كهرومغناطيسي خطير يغير في أفكار البعض وقيمهم ومبادئهم بشكل ملحوظ و «دراماتيكي» سريع فسبحان من لا يتغير.
وعلى هذا الأساس فإن علينا جميعاً أن نجرب المنصب، مثلما جربنا الكرسي، لنصل إلى قناعة شخصية أن ما لدينا من حماس وطني ونبذ للواسطة وانتقاد لسرقة أفكار الآخرين وخاصة الموظفين واشمئزاز من محاباة الأقارب والأصهار على حساب المستحقين لن تتغير بفعل المرتبة الممتازة أو ما هو أعلى، فإذا وفقنا الله وثبّت قلوبنا على الحق ولم نتأثر بذلك المجال «الكهرومغناطيسي» الناري الشيطاني فإننا في خير كثير ونعمة نحسد عليها وعلينا عندئذ أن نقبل بالمنصب دون خوف من وسواس الكرسي الدوار.
أقول قولي هذا بعد أن وجدت ومن واقع ملاحظة المتابع عن قرب أنهم وربي يتغيرون بسرعة وينقلبون وينسلخون من جلد المثاليات إلى ممارسة كل ما كانوا ينتقدونه من سلوكيات وبطريقة أوضح وأثبت مما كان ينتقد في سابقه !!.
خذ الواسطة على سبيل المثال، هذا الداء العضال الذي أنهك مجتمعنا وشوه جمال نقائه من رواج الرشوة في مجال الإجراءات اليومية على الأقل.
هذه الواسطة الكل ينبذها ويشمئز منها ويشتكي من الحاجة لها في كل دائرة ومراجعة، فإذا تولى المنصب مارسها بأقبح صورها وجعلها المتطلب رقم واحد قبل بطاقة الأحوال أو صورة دفتر العائلة أو تصديق العمدة.
أعرف إنساناً كان يبدو ملاكاً في ظاهر أخلاقه كان ينتقد توزيع المكافآت والهبات على أقارب المسؤول وذويه وعندما تولى ذات المنصب مارس نفس السلوك دون اكتراث.
شخص كان يشجع من يحارب أمر سرقة أفكار الموظفين ونسبها للمدير ويربت على كتف من ينتقد هذا السلوك المشين مردداً «سر في نقدك وفقك الله فمديرنا يسرق انجازات موظفيه»، ونفس الشخص ما ان جلس على كرسي المدير حتى أصبح أشهر سارق أفكار.
ألم أقل لكم إن فكرة «جرب المنصب» لا تقل أهمية عن فكرة «جرب الكرسي» فالمنصب له فعل تغيير عجيب في شخصية شاغله والممتازة لم تأت من فراغ، ولكن اطمئنوا فالاستعداد النفسي للتغيير يكون موجوداً أصلاً حتى في وقت الانتقاد ويكون جاهزاً للتفعيل ولكن جربوا المنصب لمعرفة جاهزيتكم للتقلب من عدمه، اللهم ثبت قلوبنا.