Site icon محمد سليمان الأحيدب

القشور

أولويات أي مجتمع، أو أولويات الغالبية العظمى من أفراده، مؤشر مهم جداً على درجة الوعي والجدية ورقي المجتمع من عدمه .
عندما يتنافس المجتمع على التحصيل العلمي والإبداع في مجال التخصص والنجاح الوظيفي، ويصبح هم شبابه الوصول لأعلى المراتب العلمية وطموح رجاله تحقيق نجاح للوطن، ويعمل كهوله وعجائزه إلى آخر ذرة طاقة إنتاجية فإن المجتمع يصنف كمجتمع واعٍ وطموح وجاد وواثق، لأن أولويات غالبية أفراده ذات عمق وذات جوهر ووزن .

ما أخشاه كثيراً على مجتمعنا، وسبق أن حذرت من أسبابه وحوافزه ومشجعاته، هو شيوع التنافس على القشور، وسطحية الطموح والرغبة في التميز بما لا يميز، مثل رقم لوحة سيارة، أو جوال أو ملبس مبالغ في تكلفته، أو مظهر ملفت للنظر حتى لو كان إلى النشاز أقرب منه إلى الأناقة .

المتتبع لمراحل حياة أحد أفراد فئة محاولة التميز بالقشور يجد أن والديه قبل الزواج أرادا لحفل الخطوبة أن يكون مميزاً ومكلفاً للغاية وحافلاً بتكاليف وفقرات تفوق كل أقرانهم، ثم حفل زواج في أكثر الفنادق وصالات الأفراح تكلفة يضاف إليها بذخ هائل يكون هو حديث الركبان في طرق التبذير للتميز، فإذا ما نجح الزوج بعد كل هموم التكلف في أن يحدث حملاً فإن المراجعة والولادة يجب أن تكون في أفخم المستشفيات الخاصة فندقة وأقلها إمكانات طبية، وما أن يخرج ذلك الطفل للحياة (من فضل ربي أن الخروج للحياة عبر طريق واحد لا مجال فيه للتميز شأنه شأن مغادرة الحياة !!) فإن أبواه يميزانه فيتربى على التميز بالقشور بدءاً بالروضة الخاصة والمدرسة الخاصة وانتهاءً بالسيارة المميزة نوعاً وموديلاً ورقماً .

لقد شاع لدينا حب التميز السطحي ووصل مرحلة جعلت الأطراف ذات العلاقة تداعب هذه الرغبة تجارياً، انظر أين وصلت أسعار لوحات السيارات المميزة وكذا أرقام الهاتف الجوال فأصبح طموح معظم الشباب أو بعضهم هو رقم مميز دون أن يحجز الشاب لنفسه مكاناً علمياً يجعل منه رقماً مميزاً في أسرته ومجتمعه وأمته .

إن مركبات النقص في شخصية الفرد قد تقوده أكثر وأكثر إلى تعويضها وحشوها بما خف وزنه وقلت قيمته من القشور، وعلينا كمجتمع أن نسعى إلى تصحيح هذا التوجه، لا أن نسايره ونشجعه، لذا فإنني سبق وأن حذرت من فتح باب التميز في لوحات السيارات لأنها قد تؤثر حتى على رجل المرور، واقترحت أن يحدد تاريخ تقديم الطلب وجهة الرقم المميز سواء في السيارة أو الجوال، وحسب الأخبار فإن الكويت بدأت الآن في معالجة أخطاء التميز في أرقام السيارات بعد أن عانت منه كثيراً .

الأهم عندي أن نربي أبناءنا على تحديد الأولويات الجوهرية العميقة ونخرجهم من دوامة التنافس بالمظهر أو الرقم أو نوعية الممتلكات وننتشلهم من مسببات خلق جيل سطحي هش ضحل الطموح .

Exit mobile version