العامل والمواطن وأقل الضررين

لا أعتقد أن أحداً يمانع أن يتم تعديل قرار أو إلغائه لأسباب إنسانية، مثل تلك القرارات التي تتعلق بالعمالة المستقدمة من الخارج سواءً المزارعين أم العمال أم السائقين أم العاملات في المنزل.
لكنني أجزم أيضاً أن لا أحد يختلف على أن الكفيل أو المواطن الذي استقدم العامل هو الآخر إنسان يستحق أن يراعي القرار المعدل إنسانيته وحقوقه.

وعندما تتعارض حقوق العامل مع حقوق كفيله (المواطن)، فأنا لا أقول بأن ننحاز مع المواطن فهذا ليس من الإنسانية في شيء، ولكن هناك ما هو أهم وأكثر عدلاً وهو اللجوء إلى نص شرعي “أقل الضررين” ولن تجد أكثر سماحة وعدلاً وإنسانية وإنصافاً من شرع الله المنزل الذي تتميز هذه البلاد بتحكيمه.

وأقل الضررين يتجسد في ماهية الأمر الأقل حدوثاً، فمثلاً عندما نلغي قرار اشتراط خطاب تصريح من الكفيل بتنقل العامل بين المدن (وهو بالمناسبة كان قراراً لا يمس إنسانية العامل، وإنما هو إجراء تنظيمي أمني بالدرجة الأولى ) ونسمح للعامل بالتنقل بين المدن دون تصريح من كفيله، ثم نجد أن هروب العمال وتسيبهم قد زاد بل تضاعف بشكل ملحوظ أضر بالمواطنين وهدد مصالح الوطن وربما أمنه (آلاف العمال يبتعدون مئات الأميال عن أعين كفلائهم والباحثين عنهم، ويتنقلون بحرية تامة دون حق الرقيب في المساءلة عن أسباب الابتعاد عن مقر العمل لإلغاء القرار).

هنا يجب أن نعيد النظر في السماح بالتنقل كون الضرر الناجم من بحث العامل عن كفيله ليوقع له خطاب السماح أقل بكثير من ضرر بحث الكفيل عن عامل هارب، دفع تكاليفه ولم يستفد من خدماته، وإذا قبض عليه فإنه مطالب بشراء تذكرة سفره وتكاليف ترحيله!!، كما أن معاقبة مواطن، يسيء استغلال العمالة أيسر كثيراً من البحث عن عامل يحمل إقامة سارية المفعول ويهيم بين المدن والقرى، فالمواطن يسهل تعقبه ببطاقة الأحوال والتي يستخدمها في منافع عديدة ومراجعات متعددة أما العامل فلا يبرز الإقامة إلا لموظف الجوازات كحجة لعدم مساءلته.

الذي نعرفه جيداً أن إلغاء شرط التنقل سهل من فرص هرب العمال ورفع أرقام الهروب وألغى ضابطاً مهماً في التحكم بتجول المجهولين وأضر بالمواطن الصالح الضعيف وفي نفس الوقت استفاد منه عدد من هوامير المواطنين المخالفين والذين أصبحوا يتحايلون على اشتراطات وزارة العمل بتوظيف العمالة الهاربة، خاصة في المزارع التي يصعب أو يستحيل وصول الرقيب إليها.

اترك رد