دفن جثة واستخراج كنز

أستغرب كثيراً تمسكنا بطبع غريب وكأننا اتخذنا على أنفسنا نذراً أن لا نغيره !!، فنحن لازلنا نرفض الامتنان للشخص أو حتى ذكره بما يحب رفضاً باتاً حتى يموت، فإذا دفناه أخرجنا أفضاله ونجاحاته وإنجازاته الخارقة وكأنها كنز كان مدفوناً في ذات القبر وكان لزاماً علينا أن نستبدله بجثمان المتوفى في ذات اللحظة!!.
أعلم جيدا أن ذكر محاسن الموتى من السنن، لكن ذكر محاسن الأحياء (المستحقة) ليست من المحرمات.

عندما تسمع أو تشاهد أو تقرأ عن المواقف الإنسانية أو الوطنية والمميزات والإنجازات لشخص دفن للتو، تتمنى لو أنك علمت عن الكثير منها قبل وفاته لتقدم له الشكر والامتنان منك كمواطن، فيما يخص المنجزات الوطنية، وكإنسان، فيما يتعلق بالمواقف الإنسانية، لكن طبعنا الذي لم يتغير يحتم علينا التكتم على منجزات الأحياء حتى ندفنهم أولا ثم نخرج كنوزهم !!.

في المجال الوظيفي أستطيع، بحكم معايشة طويلة، أن أشخص الواقع وأستنبط الأسباب وأهمها أننا مجتمع وظيفي يسيطر فيه المدير ويعتبر أن امتداح غيره اعتداء على حقه الحصري في الثناء والامتنان، أو إنقاص من قدره بتسليط الضوء على غيره مهما صغر مركزه الوظيفي مقارنة بالمدير، أو تهديد لكرسيه الذي لا يريد لغيره أن يبدو مستحقا له إذا كان ثمة تقارب في التأهيل .

أما في مجال المجتمع أو الطبائع الاجتماعية فيبدو، وأرجو أن أكون مخطئا، أن لدينا حساسية عالية لامتداح كل شخص حي، إن لم يكن كل كائن حي، ويتضح ذلك من أن البعض وبمجرد الثناء على ايجابيات شخص يبدأ في البحث عن عيوبه، وهنا خلط واضح بين ذكر المحاسن وادعاء الكمال والكمال لله وحده، وذكر محاسن شخص لا يعني أنها منسوبة إلى تقصير غيره أو مساوئ غيره .

ربما يعود ذلك إلى ترسبات غريبة وشاذة كون بعضنا يستخدم الثناء على شخص للنيل من غيره، أو حتى امتداح أحد الأبناء لإشعار الآخر بقصوره، لكن الشاذ لا حكم له، ومثل هذا السلوك سواء كان أسريا أو وظيفيا أو اجتماعيا يجب أن يبقى نادرا وشاذا.

المؤكد أننا ومن منطلق وطني بحت يجب أن نعمل على تغيير هذه الطباع وأن يكون الوطن قدوة في تكريم من يستحق التكريم، كما أن علينا جميعا أن نسهم في رسم خطة وطنية فورية لشكر المستحقين من الأحياء، ليس المتميزين علميا وثقافياً فقط، بل كل من أبدع في أداء واجبه حتى لو صغرت وظيفته، فمثلا رجل الإطفاء المثابر يستحق التكريم الفوري، وكذا المسعف ورجل الأمن ورجل الجمارك وعامل النظافة وكل من أحسن صنعاً حتى في تأدية واجب.

أما إذا أردتم بداية موفقة وسليمة فلا يكن المدير أو الرئيس المباشر مرجعكم الوحيد في تقدير الاستحقاق لأن ثمة تعارض مصالح، أو افتراضا لتضارب مصالح تعاني منه نفسية المدير الذي أدمن التلميع.

اترك رد