أستغرب كثيراً لماذا يعمد بعض المسؤولين عن جانب من جوانب القصور أسلوب المسارعة إلى إنكاره تماماً عوضاً عن الاعتراف به وتبريره بأسبابه الحقيقية، خاصة أن معظم أمثلة القصور في الخدمات واضحة، تتجسد على أرض الواقع، ومرئية يصعب إنكارها أو التقليل من حجمها وأهميتها.
في عالم الطب يوجد ما يعرف بظاهرة انكار المريض لحالة مرضية يعاني منها رغم إثباتها بالتحاليل والفحوصات والأشعة التشخيصية لكن المريض يصر على إنكارها ويحاول أن يقنع نفسه ومن حوله بل وحتى طبيبه بأنه لا يعاني من ذلك المرض، ولعل مرضى السكر أكثر المرضى رغبة ومحاولة للإنكار وعدم التسليم بوجود أعراض مرض السكر، لكنهم في النهاية يستسلمون.
ترى هل ظاهرة إنكار المسؤول عن جهة خدمية للقصور في الخدمات تخضع لنفس العوامل النفسية التي يتعرض لها المريض عندما يعمد إلى إنكار المرض ؟.
بطبيعة الحال وطبيعة الإنكار، فإن ثمة فوارق كبيرة بين الحالتين، فالمريض يحاول أن يقنع نفسه ويقنعنا بأنه لا يعاني من المرض الذي يخصه هو، ويتعلق بصحته هو، وتقتصر المعاناة منه عليه هو، بينما المسؤول أو الموظف يحاول إنكار قصور يخصنا نحن، ويتعلق بنا نحن، وتعم المعاناة منه علينا جميعا، هذا من ناحية علاقة القصور والتأثر به.
أما من حيث الإحساس بالمشكلة فإن المريض ينكر شيئاً يحس به هو ولا يمكننا نحن الإحساس به، بينما المسؤول ينكر شيئاً نحس به جميعاً، بل نلمسه جميعاً.
ثم إن المريض أكثر منطقية في إنكاره، فأكثر المرضى عندما ينكر المرض فإنه لا ينكر الأعراض، لكنه يبررها ويربطها باشياء أخرى غير المرض فتجده يقول ان ارتفاع السكر كان بسبب إفراطي في أكل التمر يوم إجراء التحليل أو أن ارتفاع الضغط ليس مرضاً لكنه بسبب حالة غضب صادفت إجراء القياس، وهكذا بينما لا يصاحب إنكار القصور الوظيفي أو قصور الخدمات أي تبرير منطقي أو مقبول يحترم ذكاء المتلقي ويحسب حساباً لعقله.
خذ على سبيل المثال تبرير وزارة الماء والكهرباء لأزمة المياه في الرياض وجدة وعسير، فقد قيل إن السبب هم الناس أنفسهم فهم يتزاحمون على الصهاريج خوفاً من حدوث أزمة بينما لا توجد أزمة، فكيف بالله عليكم يلجأ إلى الصهاريج لو وجد في خزانه ما يكفيه من الماء؟!.
ونفس الشيء يقال عن تحليل وكيل وزارة الصحة الطبيب منصور الحواسي لوجود أزمة أسرة للولادة، فهو يبرر بالقول إن النساء يردن الولادة في مستشفيات معينة ذات تخصص بينما يمكنهن الولادة في مستشفيات أخرى، يقول ذلك وبعض الأزواج يجوبون بزوجاتهم شوارع المدينة بحثاً عن مسقط لرأس جنين أطل برأسه ولم يجدوا، وكلنا نعرف ذلك، لكن التبرير بلغ أقصاه حينما رآى ونحن في العصر الحديث أن بعض الولادات يمكن أن تتم في المنزل!!، وهذا معناه أننا نعاني من أزمة سرير ولادة في المستشفيات لكننا لا نريد أن نعترف.
السؤال العريض لماذا نبرر؟! هو بالتأكيد حالة تشبث بالحياة مثلما يبرر المريض، وهي حالة تشبث بالكرسي عندما يحلل الموظف.