الحرب الدعائية بين الأطباء

مع تحول الطب من مهنة إنسانية إلى تجارة حرة لا تخلو من الغش والخداع، فقد راج كثير من السلوكيات التي تتعارض مع أخلاقيات المهن الصحية، وأعراف مهنة الطب وقبل هذا وذاك تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف فمنها ما يدخل ضمن الغيبة والنميمة وآخر يدخل ضمن التدليس والغش.
وإذا دخلت التجارة وتغليب الربحية على الالتزام بالدين والأخلاق فلك أن تتوقع حدوث الفعل والفعل المضاد وتعدد صور المخالفات وسوء السلوكيات.

من واقع القرب من كلية الطب التي درسنا بعض مقررات الصيدلة فيها عندما كنا طلابا، ومن واقع القرب من كلية الطب أكاديميا كمحاضر في كلية الصيدلة فقد علمت علم اليقين أن من ضمن أسس الأخلاقيات التي تدرس لطالب الطب في كل مكان أنه لا يجوز للطبيب أن يحاول كسب ود المريض كزبون بأن يشكك في طبيب آخر ويدعي أن طريقته في العلاج خاطئة أو يستغل ثقة المريض في الادعاء أن طبيبا آخر سبب له ضررا أو أعطاه علاجا خاطئا ويستثنى من ذلك طبعا ما يطلب من الطبيب في اللجان الطبية وغيرها لإحقاق حق وتقرير حالة لمشتكي.

الآن شاع بما يصل حد الظاهرة انتقاص الأطباء، من نفس التخصص، لبعضهم البعض، وكثرت شكاوى المرضى من أنه ذهب إلى الطبيب الفلاني يبحث عن رأي ثان يؤكد تشخيص علته (هذا أحد حقوق المريض بل وواجباته تجاه صحته الحصول على رأي ثان second opinion) ففوجئ بالطبيب ينتقص من قدرات زميله ويسخر من تشخيصه ويطالب المريض برمي كيس الأدوية في سلة النفايات ويصف له قائمة أخرى من الأدوية.

بل الأمر تعدى مجرد غيبة طبيب لزميله الطبيب، فقد أصبح طبيب المستشفى الحكومي ينتقص قدرات مستشفاه وزملائه ويحيل المريض إلى المستشفى الخاص الذي يعمل به ضد النظام والقانون، وأصبحت مستشفيات القطاعات المختلفة تتبادل التهم والإساءات لبعضها البعض أمام المريض وأقاربه (لم تمر علي شكوى مريض انتقل من مستشفى لآخر الا كان فيها ادعاء المستشفى الثاني أن المستشفى الأول عبث في المريض أو بالعامية الواضحة لعبوا فيه).

أما أكل أموال الناس فيمثلها شر تمثيل ما يمارسه طبيب العظام عندما يحيل مريضا كسر حادثا عظامه، وكسرت الأسهم وارتفاع الأسعار قدراته، يحيله لشراء جهاز تثبيت أو جبيرة إلى متجر معين يخصه أو يخصص له نسبة فيدفع المريض لهم أضعاف القيمة الحقيقية في السوق.

هذا ما رأيناه يناقض ما شاهدناه يدرس في كلية طب جامعة الملك سعود من أخلاقيات الممارسة الطبية، أما ما شاهدناه في كليات الطب الحديثة فهو تنافس تختصر فيه مدة الدراسة، وينخفض فيه الحد الأدنى لقبول المتقدم، وتسلق فيه المناهج سلقا، ويدرس فيه من لا يمت للأكاديمية بصلة أو خبرة أو مؤهل، كل ذلك لكي يحقق أحدهم حلمه بمنصب عميد كلية بعد أن لم ينجح في كلية طب حقيقية للوصول إلى وكيل كلية.

فإذا كان خريجو الكليات العريقة حصل منهم تلك المخالفات فما عسى خريج الكلية الوهمية يفعل؟!

إنها ردة الفعل المضاد التي أخشاها فمهنة الطب إذا شابها التسابق على الكسب المبالغ فيه والبحث عن شهرة إعلامية على حساب المريض وحقوقه فقل على المهنة السلام من كلياتها إلى بروفيسوراتها.

اترك رد