مؤتمراتنا وكأس العالم

في الثمانينيات الميلادية وما قبلها كان من الطبيعي أن نقدم الكثير من الإغراءات لعدد من المتخصصين في شتى العلوم لحضور مؤتمراتنا العلمية وخاصة المتحدثين أو من يودون تقديم أوراق بحثية ، لسبب منطقي وهو أننا كنا نحتاج إليهم أكثر من حاجتهم لنا، كوننا كنا آنذاك نلعب دور المتلقي، وهم مصدر المعلومة، وكان طلبة العلم لدينا بل وحتى الباحثون والأكاديميون في حاجة لحضور متخصص في مجال علمي أو طبي أو هندسي لينقل لنا خبرته ونتائج دراساته وأبحاثه.

اليوم تغيرت الحال في كثير من المجالات، بل استطيع القول بثقة ان المعادلة انقلبت في كثير من التخصصات، فقد أصبحنا مصدرا للمعلومة لا متلقيا لها، خاصة في مجال علوم البتروكيميا والصيدلة والسموم والطب والزراعة والهندسة، وأصبحنا معقلا لإجراء الأبحاث عوضاً عن انتظار نتائجها، وفي مجالات علمية أخرى أصبحنا نشارك ونثري المعلومة.

مجمل القول ان المؤتمرات والندوات التي نعقدها أصبحت جذابة للباحث عن اللقاءات العلمية، لا تقل، إن لم تزد، عن غيرها في أنحاء العالم ثراءً علميا وإثراءً للساحة البحثية.

اذاً ما بال مؤسساتنا لا تزال تغدق على المشارك الخارجي بإغراءات حضور تتمثل في التكفل بالتذاكر والسكن والتنقلات والإعاشة والجولات والزيارات وإعفاء من رسوم الاشتراك، بطريقة لم يعد لها وجود في هذا العصر إلا عندنا؟!.

مؤسساتنا تمارس مع من تدعوهم لحضور مؤتمراتها العلمية كرما قد يفهم على أنه تقليل من مكانتنا العلمية، أو قد يشير خطأً إلى أننا لازلنا نعيش العصر السابق، وأن مؤتمراتنا لم تفرض نفسها علمياً لتصبح ساحة جذب ووجهة يبحث عنها الباحث عن تطوير نفسه علميا، وفي ذلك إجحاف في حقنا لا نستحقه ونمارسه دون أن نستشعر تأثيره.

في كثير من دول العالم، إن لم يكن جميعها، أصبح المؤتمر العلمي وسيلة جذب سياحي ( سياحة علمية) تدر دخلاً على موقع المؤتمر، تماما مثل دورات كرة القدم ونهائيات كأس العالم ( تخيل لو أن بلداً يستضيفك لحضور النهائيات على حسابه!! ).

الدول الأخرى تدعوك لحضور المؤتمر كمتحدث أو مقدم ورقة عمل أو مستمع وفي كل الأحوال فإنها تحملك رسوم اشتراك باهظة وبطبيعة الحال تكاليف سفرك وتنقلاتك وإقامتك وثمن تذاكر حضور حفل وعشاء الاستقبال والزيارات السياحية، بينما نحن نتحمل تلك التكاليف فلماذا وإلى متى؟!.

الباحث والأكاديمي والمهني المحترف ( طبيبا أو صيدلانيا أو محاميا أو مهندسا… الخ) لديه طرقه في تأمين تكاليف حضوره للمؤتمرات إما عن طريق جهة عمله أو ممول أبحاثه أو الشركات التي تقدم المنح، وليس من ضمن هؤلاء الدولة المنظمة للمؤتمر، وبعض الدول المجاورة لنا أدركت هذا الأمر وجعلت من مدنها مقراً لمؤتمرات في علوم هي لم تبلغ فيها عشر ما بلغناه فأصبحت المؤتمرات وسيلتها للجذب السياحي، والمنظمات والجمعيات العلمية تدرك أيضا أن مقر المؤتمر وسيلة جذب للباحث وهو مسؤول عن تكاليفه، فمتى نبدأ نحن في التعامل مع هذا الجانب بالطريقة الصحيحة ونوقف الصرف على المتحدثين الخارجيين في مؤتمراتنا العلمية، ونحول تلك المبالغ إلى تسهيلات تقدم للمشارك المواطن من الداخل بالتكفل بسكنه وتنقلاته وتخفيض رسوم تسجيله في المؤتمر بما ينعكس إيجابا على الباحث والمتخصص والأكاديمي المواطن كتشجيع وعون، وعلى الوطن في شكل دفع لعجلة التطور العلمي مبني على أساس أن سمننا في دقيقنا.

اترك رد